فيلم “ريبيرث”.. النظام الرأسمالي الغربي وتنميط الإنسان
عبادة دعدوش
نحن نقوم بكثير من المسائل بناءً على اعتقادنا بأفكار وصلتنا عبر ما يعرف بسلطة الإيحاء والتأثير التي يتمتّع بها المجتمع، ويتمتع بها بعض الأفراد المؤثرين العارفين لمفاتيح التأثير السيكولوجي على الآخر، أحياناً أخرى.. نحن نُقرّر ونحذف وندين ونبرِّئ ونُصنّف سُلوكيات مُعيَّنة من حياتنا لمجرد أن المجتمع أوحى لنا أنه يجب فعل ذلك، فسارعنا وبادرنا!
كل هذه المسائل وأكثر مما يتصل بفكرة الإرادة الحرة، تمحور حولها فيلم “ريبيرث” من تأليف وإخراج كارل مولر.
بطل الفيلم “كايل” موظف في مصرف، يعيش حياة نمطية مُملة خانقة، ولأنه شخص مُتردّد يُصغي أكثر مما ينبغي لما يقوله الآخرون ويهتم جداً لنظرة الآخرين إليه، بقي في نطاقه الوظيفي والاجتماعي الأُسري “الآمن” دون أن يسعى للتغيير أو التطور برغم عدم سعادته، الجميع يتفق على أنه إنسان ناجح وظيفياً وربّ أسرة جيد ولا أحد يوجه إليه الانتقادات طالما هو يؤدي هذا الدور الاجتماعي، لكن ماذا عن شعوره بأن لديه طاقات مهدورة بسبب عدم استثمارها، وشعوره بالملل الخانق من الروتين اليومي؟.
زيارة من صديقه “زاك” تُشكّل “القشة التي قصمت ظهر البعير”، زاك يُجسّد نمطاً مختلفاً تماماً من الشخصيات، فهو كثير التجارب والأسفار، يعيش حياة المغامرة لا حياة الاستقرار، ولا يكترث لآراء الآخرين به بقدر ما يكترث لسعادته.
يقترح زاك على “كايل” الانضمام إلى منظمة “ريبيرث” وهي منظمة سريَّة تعمل على ما يُسمّى بـ”الولادة الجديدة”. وبالفعل، يدخل “كايل” هذه التجربة وسرعان ما يجد نفسه في مبنى مجهول، تجسّد كل غرفة وكل مجموعة من الناس فيه، جانباً من جوانب سلوكيات الجنس البشري، حيث العنف والجنس والسلام، عبر منهجية وضعتها المنظمة لجعل “كايل” يُخرج كوامنه ويُحدّد خياراته التي تحدّد شخصيته العميقة وكي يحظى هذا “الموظف” الذي أنفق جُلَّ شبابه في روتين نمطي بفرصة لمعرفة ما يتمتّع به من ذكاء وقوة، ويأخذ زمام المبادرة تجاه الحياة والآخر ونفسه في دائرة من التغذية الراجعة.
يشعر “كايل” بعدم الارتياح حيث يجد نفسه وسط مجموعة من الناس غريبي الأطوار كصديقه زاك الذي اقترح عليه الخوض في هذه التجربة، ويرتاب بأمر المنظمة، وما يلبث أن يتعرض في إحدى الغرف إلى التنمر اللفظي والجسدي، ثم ينتقل إلى غرفة أخرى ويتعرض لمختلف أنواع الترغيب والترهيب من أفراد يقابلهم، ويكون عليه في بعض الأحيان المُفاضلة بين اللذة والتضحية بها تجاه تقديم العون لآخرين.
عرّى الفيلم الكيفية التي يُصادر بها النظام الرأسمالي المُهيمن في الغرب جزءاً من شخصية الإنسان عندما يتعامل مع الناس كمُسننات ويؤطرها بمقاسات وحركة معينة ضمن ماكينة الإنتاج. وقد نجح الفيلم في تكثيف عددٍ من التجارب المؤثرة التي يمكن للإنسان أن يخوضها على امتداد حياة كاملة، وبيَّنَ أن من يأخذ القيم والمعاني الإنسانية عن الآخر لا يلتزم بها بمقدار استخلاصها بنفسه عبر تجاربه في الحياة، ذلك لأن الحكمة أو الفكرة التي تكون وليدة تجاربك في الحياة يُدرك الإنسان أبعادها ويتشبَّع بها، فالفكرة التي تتبلور بعد انفعال أو تفاعل مع حدث أو موقف ما، ليست كالفكرة أو الحكمة التي تُقدم إليك وأنت مستلقٍ على الأرائك تُدخن النرجيلة.
الفيلم من بطولة فران كرانز وآدم جولدبرج ونيكي ويلان، ومن تأليف وإخراج كارل مولر.