اتفاق شرعي قانوني على حقوق مجهولي النسب.. والرعاية للأسر البديلة أو لبيوت “لحن الحياة”
دمشق – حياة عيسى
لم يكن إصدار مرسوم مجهول النسب بالأمر السهل، فقد أخذ وقتاً طويلاً في الأروقة الحكومية حتى تم التوصل للتعليمات التنفيذية، إلا أن تلك الخطوة كانت رائدة لحماية تلك الشريحة ودمجها في المجتمع كغيرها، سواء عن طريق إلحاقهم بدور الرعاية أو بالأسر البديلة ضمن شروط سنها القانون لحمايتهم.
وللوقوف على الرأي الشرعي والقانوني، كان من الضروري التوجّه إلى أصحاب الاختصاص، حيث أكد الدكتور عبد المنعم سقا نائب عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الأحوال الشخصية في جامعة دمشق سابقاً، أن مجهول النسب في القانون هو الطفل الذي يُعثر عليه ولم يعرف والداه أو لم يثبت نسبه، ويشمل ذلك الطفل منذ ولادته وحتى يتمّ الثامنة عشرة من عمره، وقد نظم القانون مختلف صور الرعاية له بدءاً من لحظة العثور عليه، من خلال ضبط الإجراءات القانونية الناظمة وتحت إشراف النيابة العامة، ويسلم لبيوت “لحن الحياة” التي تتابع شؤونه بشكل كامل من خلال اختيار اسم مُناسب له وتنظيم شهادة ولادة للطفل مجهول النسب ويتمّ تسجيله وفق قانون الأحوال المدنية، وبهدف ضمان حياة طبيعية له فقد حظر القانون الإشارة إلى أن هذا الشخص مجهول النسب، وهذا يتفق تماماً مع النظرة الشرعية لمجهول النسب التي تنظر إلى إنسانيته التي كرمها الله تعالى.
كما أوضح السقا في حديث لـ “البعث” أن بيوت “لحن الحياة” تقوم برعايتهم من خلال توفير خيارات للرعاية البديلة تتلاءم مع احتياجات الطفل مجهول النسب وتضمن تأمين بيئة مناسبة له، وذلك عبر رعايته ضمنها أو عبر إلحاقه بأسرة بديلة أو بمؤسسة رعاية إذا لم تتوفر الأسرة البديلة، ويبقى الطفل في بيوت لحن الحياة حتى يتم الثامنة عشرة من العمر، وبالعموم فالقانون وضع كلّ ما من شأنه ضمان تمتع الطفل مجهول النسب بجميع الحقوق والحريات دون أي تمييز بينه وبين أقرانه، وسعى بمواده المختلفة إلى تنظيم شؤون رعايته وتهيئة الظروف الملائمة لنموه السليم ولتهيئة البيئة الداعمة لتربيته وتعليمه، ونظم كلّ ما من شأنه حماية الطفل مجهول النسب من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحه.
أما بالنسبة للأساس في اختيار الأسرة البديلة لمجهول النسب، فقد أكد السقا أن تحقق مصلحته من كافة النواحي (الشخصية والنفسية والصحية والجسدية) لذلك حدّد القانون الضوابط الناظمة لتحقيق هذه الأهداف من خلال كون الزوج والزوجة من الجنسية السورية، وأن يتمتع كلّ منهما بالصفات الحميدة التي تؤهله لرعاية مجهول النسب وتحقق مصالحه والإنفاق عليه وتربيته وتنشئته التنشئة الكريمة وغرس القيم النبيلة ومكارم الأخلاق وحمايته ومنع استغلاله وتوفير التعليم له في جميع مراحله.
وفيما يخصّ التبني، أوضح السقا أنه محرّم شرعاً دون خلاف لأنه يقلب الحلال حراماً ويجعل الحرام حلالاً، وقد أبطل القرآن الكريم التبني بنص قطعي الثبوت والدلالة، وشرع مكانه الأخوة والرعاية له وكفالته، ولفت السقا إلى أن البديل هو الأخوة ونظام الرعاية، ولذلك حرص القانون وبشكل صريح على مراعاة النص المحرم للتبني، ونصّ على أن العلاقة بين الطفل مجهول النسب والأسرة البديلة محكومة بالضوابط والحدود الشرعية الواردة في قوانين الأحوال الشخصية، وقد فرض القانون عقوبة السجن المؤقت بحق كلّ من يقوم بتسجيل الطفل مجهول النسب في السجل المدني على قيده، فرداً كان أم أسرة بديلة.
من جهته مدير الشؤون القانونية والعقود في جامعة الشام الخاصة الدكتور عمار السالم أشار إلى أن التعليمات التنفيذية للمرسوم رقم ٢ لعام ٢٠٢٣ الخاص بمجهولي النسب الصادرة عن وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حدّدت ثلاث حالات يكون فيها الشخص مجهول النسب، وهم الطفل مجهول الأب والأم، الطفل مجهول الأب ومعلوم الأم وتخلت عن رعايته، الطفل الصغير الذي يضل الطريق ولا يملك القدرة على الإرشاد لصغره أو لضعف عقله أو لأنه أصم أبكم لا يحاول أهله استرداده، متابعاً أن المرسوم يهدف إلى تحديد واجبات ومسؤوليات الدولة والمجتمع من خلال ضمان تمتع الطفل مجهول النسب بجميع الحقوق والحريات دون التمييز عن أقرانه، إضافة إلى ضمان تمتع الأطفال مجهولي النسب بجميع الحقوق دون التمييز عن أقرانهم، ويضمن لهم الحماية القانونية والرعاية الاجتماعية في إطار بيئة إنسانية تعوّضهم الفقد الذي يعانونه وتؤمن لهم التربية والنمو ليكونوا في المستقبل جزءاً أصيلاً من المجتمع.
كما بيّن السالم في حديث لـ “البعث” أن المرسوم يحمل حالة متطورة للدور الموكل للمؤسسات الرسمية من جهة، ولـمكونات المجتمع الأهلي من جهة أخرى، تجاه الأطفال مجهولي النسب، وذلك من خلال إحداث هيئة عامة مسؤولة عن رعايتهم، تُسمّى “بيوت لحن الحياة” تعدّ المرجعية الاجتماعية بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية، كما يكرّس المرسوم مفهوم الرعاية البديلة أو ما سمّاه القانون بـ “الإلحاق”، والتي تهدف إلى توفير العيش لهؤلاء الأطفال ضمن بيئة بديلة عن عائلته الطبيعية تربيه وتحميه وترعاه وتعزّز قدراته، حيث تتولى بيوت لحن الحياة توفير خيارات الرعاية البديلة التي تتلاءم مع احتياجات الطفل مجهول النسب، من خلال رعايته ضمن بيوت لحن الحياة أو عبر إلحاقه بأسرة بديلة أو مؤسسة رعاية تتولى رعايته وتربيته وتدبير شؤونه، بموجب عقد إلحاق يضمن تحقيق الرعاية البديلة، على أن تبقى هذه الرعاية محكومة بالضوابط المنظمة بقانون الأحوال الشخصية الخاضعة له الأسرة البديلة والطفل مجهول النسب.
بالمحصلة.. یمکن القول إن المجتمع ککل له مصلحة مهمة ورئیسیة في حصول الأطفال على الرعایة الکاملة بأسلوب یشبع جمیع احتیاجاتهم الأساسیة بما یضمن عدم معاناتهم من أي وجه من أوجه النقص مستقبلاً.