دراساتصحيفة البعث

القوة اليوم لروسيا

ترجمة: هيفاء علي

بعد الحرب الباردة قامت روسيا بتحديث قواتها الاستراتيجية بالكامل، لدرجة باتت فيها شركة “روزاتوم” الروسية اليوم الشركة الرائدة عالمياً في التكنولوجيا النووية، العسكرية والمدنية على حدّ سواء.

تمتلك “روزاتوم” المفاعل السريع الوحيد في العالم (المفاعل المولّد) في الاستخدام التجاري، بينما فشل كلّ من حاولوا إتقان هذه التكنولوجيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، واليابان، باستثناء الصين، التي تعتمد على التقنية المساعدة والمواد الخام من روسيا. والأهم من ذلك، أن مفاعلات سلسلة “بي ان” يمكن أن تستخدم اليورانيوم المستنفد، أو اليورانيوم 238، كوقود، في حين أنها تعتبر نفايات في جميع الاستخدامات الأخرى، وهي بقايا من إنتاج اليورانيوم المخصب، مما يعني أن روسيا لديها آلاف السنين من الوقود النووي.

تغلبت “روزاتوم” أيضاً على الصعوبات التقنية اللازمة لجعل الدورة النووية المغلقة حقيقة واقعة، ويمكنها الآن إعادة معالجة الوقود النووي المستهلك بالكامل إلى وقود جديد، وحرق النفايات عالية المستوى في مفاعلاتها من سلسلة “بي ان” حتى يمكن التخلّص منها بأمان، في حين لم تتمكّن الولايات المتحدة من تحديد موقع التخلص من وقودها النووي المستهلك، وهي راضية عن تخزينه في مواقع مفاعلاتها النووية، أولاً في أحواض التخزين التي يجب تبريدها بواسطة مضخات الدوران، ثم في براميل جافة.

في غضون ذلك، وبعد ثلاث محاولات، تخلّت الولايات المتحدة عن تطوير تكنولوجيا الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم وتعتمد على دول أخرى، بما في ذلك روسيا، لتزويدها بالوقود النووي. ابتعدت روسيا عن الصواريخ الباليستية، التي تتبع مسارات يمكن التنبؤ بها ويمكن اعتراضها، وهي تقدم تدريجياً صواريخ مدارية تفوق سرعة الصوت ومركبات متعدّدة الدخول، والتي تتبع مسارات عشوائية حول الكوكب ويكاد يكون من المستحيل اعتراضها. لذلك على الرغم من أن “حرب النجوم” كانت حقيقية، فقد وجدت روسيا طريقة للتغلّب عليها.

يتضحُ مما سبق أن الولايات المتحدة قد تراجعت بشكل كبير عن روسيا في مجال الإستراتيجية النووية، وما يتبقى هو إثبات أنه ليس لديها أدنى فرصة للحاق بالركب. لإثبات ذلك، يكفي اعتبار أن الولايات المتحدة يجب أن تبدأ عملياً من الصفر، ذلك أن المرافق التي استخدمتها لبناء ترسانتها الاستراتيجية هي إما مخزونات نووية سامة ومشعّة، مثل هانفورد، حيث يخشى أي شخص ذي عقل سليم من المغامرة، أو المواقع التي تمّ تنظيفها بتكلفة كبيرة وهي الآن محميات طبيعية، مثل مركز معالجة المواد الخام السابق في فرنالد بولاية أوهايو، وعدد قليل من المختبرات الوطنية مثل ليفرمور وأوك ريدج ولوس ألاموس.

ولمواكبة التقدم الذي حققته روسيا على مدى العقود الثلاثة الماضية، قد يتطلب الأمر 25 تريليون دولار، ولكن بالنظر إلى التجاوزات الضخمة في التكلفة النموذجية للمشاريع النووية الأمريكية، يمكن أن يتضاعف هذا المبلغ بسهولة أو يتضاعف ثلاث مرات، لذلك قد يكون الرقم المتحفظ نحو 50 تريليون دولار. والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو هل يسمح الوضع المالي للولايات المتحدة بمثل هذا الإنفاق؟.

الخطر الوحيد لحدوث حرب نووية حقيقية هو أن نظام الدفاع الاستراتيجي الأمريكي الضخم والمكلف للغاية يفقد صوابه ويقرّر الانتحار ضد روسيا، وهذا الخطر ضعيف جداً جداً، وإذا حدث شيء من هذا القبيل فلن تكون حرباً نووية، وانما لغز أمريكي آخر، مثل اغتيال كينيدي أو هجمات 11 أيلول. لذلك، ونظراً لأن روسيا متقدمة جداً في استعداداتها للانتقام من الحرب الباردة حتى أن الولايات المتحدة تأمل باللحاق بها، كيف يمكن حلّ هذا الوضع دون إثارة صراع نووي ضخم ومدمّر بشكل كبير، خاصة وأن أيام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم أصبحت معدودة؟.