الكفاية الشهرية؟
بشير فرزان
تفاقم المشكلات الاجتماعية من فقر وسرقة وتسوّل وعمالة أطفال، وانحدار مجتمعي متعدّد الوجوه، يشكل تحدياً جوهرياً أمام الحكومة في عملية الإصلاح الاجتماعي الذي ستكون تكلفته أعلى بأضعاف مضاعفة تكلفة الإصلاح الاقتصادي المطلوب في هذه المرحلة التي تدور فيها رحى المواجهات الخاسرة بين الواقع الذي ترسمه القرارات على الأوراق، وبين اليوميات المسجلة في خانة الغبن المعيشي الذي يبرز عدم استشعار الفريق الاقتصادي بعد لخطورة المواجهة المعيشية المحتدمة في حياة الناس، حيث الواقع المعيشي المتآكل أمام حالة الجنون والفوضى السعرية الضاربة بقوة في سياسات الترشيد والإنفاق الأسري والحكومي، فالمعركة حامية الوطيس بعد أن تضاعفت ارتدادات وتداعيات هذا الملف على حياة الناس وبشكل يستدعي عملاً جاداً ومسؤولاً لتضييق الفجوة بين الإنفاق وبين الدخل الذي بات شبه معدوم.
ورغم صعوبة تحديد نقطة التعافي الاقتصادي زمنياً، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من التمادي في التعامل مع واقع الناس من خلال حالة افتراضية غير موجودة، وخاصة لجهة الكفاية الشهرية حيث يتراءى لهؤلاء أن العائلة قادرة بـ 125 ألف ليرة على تأمين مستلزمات معيشتها، وخاصة في شهر رمضان، بل ويمعنون في عنادهم من خلال التأكيد على أن الأسواق تحت السيطرة في الوقت الذي باتت فيه أكثر وحشية وظلماً للناس، فالأسعار لا تعرف معياراً، والفوضى الرقابية أكثر حضوراً، وكلّ ذلك في غياب تام للجهات المعنية التي اعتادت على طمأنة المواطن عبر تصريحات جوفاء لا تمتّ للواقع بصلة!.
وما يدعو للتشكيك بسلامة الإجراءات والخطوات المتخذة في المنحى المعيشي أنها تعتمد على قيمة الرواتب الضئيلة، سواء لجهة القروض المختلفة بما فيها الاستهلاكية أو السلف، أي الدوران في الحلقات المفرغة والعودة من جديد إلى خط البداية المتمثل في المواجهة الدائمة مع الواقع المعيشي، وطبعاً لن نستطيع استبعاد تحدي الغلاء، وهو الوحش الكاسر الذي نهش بأنيابه الدخل المتواضع للعائلات والتهم مدخراتها في هذه الملحمة المعيشية التي لا تخلو في بعض تفاصيلها من العلاقة المشبوهة بين المواطن والمسؤول، وخاصة عندما تطغى الأنا والمصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة، وعندما تتحول الحرب إلى سوق كبيرة عتادها الانتفاع وميدانها الشوارع والأزقة والحارات بعد أن باتت مسرحاً للكثير من المخالفات والممارسات التي تتمّ في وضح النهار وعلى مرأى الجميع دون أي اعتبار ليس للقانون فحسب، بل حتى لسلطة العرف الاجتماعي والظرف الاستثنائي الذي أنتج هذا السيناريو القميء بمسلسلاته الطويلة وحلقاته التي لا تُعد ولا تُحصى، ففي كل يوم أبطال جدد وعشرات الضحايا الذين يتجرعون كؤوس المرّ على مدار الساعة.
وفي شهر رمضان المبارك، نحن بحاجة إلى تدعيم عرى المحبة والتعاضد والتكاتف المجتمعي وإصلاح العلاقة بين المواطن والمنظومة المؤسساتية للوصول إلى مسارات صحيحة ومنضبطة للعمل الرقابي بما يكفل علاقة تكاملية مع التاجر بحيث تنعكس إيجاباً على واقع الأسواق، وهذا يتطلب الالتزام بالقانون وتعزيز حضوره في حياة الناس ضمن منظومة مؤسساتية رسمية تقف على مسافة واحدة من الجميع دون استثناءات أو تصنيفات خارجة عن حدود الأنظمة والقوانين والعمل على تحسين الدخل بأسرع وقت ممكن، وبذلك فقط نستطيع معالجة الواقع والانطلاق نحو الإصلاح الحقيقي.