سيدة المسرح العربي.. سميحة أيوب تكتب كلمة يوم المسرح العالمي
أمينة عباس
اختارتها الهيئة الدولية للمسرح (ITI) لكتابة كلمة اليوم العالمي للمسرح في اليونسكو في 27 من الشهر الجاري، وهو التاريخ الذي تم تحديده من قبل المعهد للاحتفال بالمسرح في جميع أنحاء العالم.. وتعليقاً على هذا الاختيار قالت أيوب في تصريح لها: “المسرح هو حياتي، لذلك سعدت بمنحي شرف كتابة كلمة في الاحتفال بيوم المسرح العــالمي الذي يحتفي بفنون المسرح، ويؤكد على أهميته وتأثيره على جميع مناحي الحياة، ودوره الهام في الترفيه والتوعية وبناء الوجدان”.
سيدة المسرح العربي
لُقّبت بـ “عملاق المسرح” و”غول التمثيل” إلا أن اللقب الذي ظلت تحمله حتى الآن هو “سيدة المسرح العربي” وهو اللقب الذي أطلقه عليها الرئيس حافظ الأسد حين قلدها عام 1971 وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وهي التي وقفت على خشبة أعظم المسارح العربية والعالمية وقد عملت مع أربعة مخرجين عالميين هم الروسي رسلبلاتون في مسرحية “الخال فانيا” لـ أنطون تشيخوف والألماني كورت فيت في مسرحية “دائرة الطباشير القوقازية” لـ برتولد بريخت, والفرنسي جان بيير لاروى في مسرحية “فيدرا” لـ جان راسين, والإنكليزي برنارد جوس في مسرحية “أنطونيو وكليوباترا” لـ وليم شكسبير، وقد بلغ رصيدها في المسرح ما يقرب من 180 مسرحية.
أصغر طالبة في المعهد
في الحديث عن بداياتها في الفن تؤكد سميحة أيوب أنها دخلته بالصدفة حين رافقت إحدى زميلاتها في المدرسة للتقدم لاختبارات معهد التمثيل، وكانت لجنة الاختبار مكونة من ممثلين معروفين أمثال: يوسف وهبي وجورج أبيض وزكي طليمات، وبعد الانتهاء من اختبار جميع الفتيات سألوها إن كانت تحب التمثيل؟ فأجابت بنعم وهي التي لم يخطر ببالها يوماً أن تصبح ممثلة، فطلبوا منها تمثيل أحد المشاهد، لكنها لم تنجح، إلا أن الفنان جورج أبيض الذي كان أكثر أعضاء اللجنة حماساً لها أقنع باقي الأعضاء بقبولها داخل المعهد كطالبة مستمعة لمدة سنتين لصغر سنها حيث كانت في الرابعة عشرة من عمرها على الرغم من اعتقاد زكي طليمات أنها لا تصلح للتمثيل والذي سرعان ما غير رأيه بها بعد دخولها المعهد عام 1949 حين لاحظ حفظها لجميع ملاحظاته وتنفيذها بدقة ومهارة عن باقي زميلاتها، الأمر الذي جعله يكتب مذكرة إلى وزير المعارف وقتها لاستثنائها من شرط السن وقبولها كطالبة نظامية قبل مرور سنتين، فقبل الوزير لتصبح أصغر طالبات المعهد سنّاً، واعترف طليمات لها بأنه كان مخطئاً في تقديره لموهبتها، قائلاً: “لأول مرة يخونني ذكائي” فتبنّاها فنياً وألحقها بفرقة المسرح الحديث لتقدم أول أدوارها المسرحية من خلال مسرحية “البخيل” للكاتب الفرنسي موليير، ثم شاركت في عدة مسرحيات تحت إشرافه حتى جاءتها الفرصة لأداء دور البطولة في مسرحية “كسبنا البريمو” عام 1959 والتي لاقت نجاحاً كبيراً لفت الأنظار إليها.
روائع الأدب العالمي
قدمت سميحة أيوب روائع الأدب العالمي على خشبة المسرح لكبار الكتاب العالميين: “أنطونيو وكليوبترا” لـ وليام شكسبير، “فيدرا” لـ جان راسين، “البخيل” لـ موليير، “الندم” لـ جان بول سارتر، و”الخال فانيا” لـأنطون تشيخوف، كما مثّلت مسرحيات لكبار الكُتّاب المصريين: “مصرع كليوباترا” لأحمد شوقي، “السلطان الحائر” لـتوفيق الحكيم، “سكة السلامة” لـسعد الدين وهبة، “الوزير العاشق” لـفاروق جويدة، “العباسة” لـعزيز أباظة، “ست البنات” لـأمين يوسف غراب، “حبيبتي شامينا” لـرشاد رشدي، “الناس اللي في التالت” لـأسامة أنور عكاشة، و”ست الملك” لـسمير سرحان.. رشحتها أم كلثوم لأداء دور رابعة العدوية في مسرحية تحمل نفس الاسم للإذاعة، وأدت الدور وكانت أم كلثوم تحضر تسجيل المسرحية كل يوم.
إليكترا في مصر
حضر الفيلسوف والكاتب الفرنسي الشهير جان بول سارتر إحدى مسرحياتها وكانت بعنوان “الندم” وأُعجب جداً بأدائها القوي قائلًا: “أخيراً وجدتُ إليكترا في مصر” وكان يقصد شخصية البطلة في المسرحية، ووصفها الكاتب إحسان عبد القدوس: “شامخة كبرج الجزيرة” وعندما قابلها ذات مرة قال لها إنه لم يشاهِد والدته فاطمة اليوسف وهي تمثل من قبْل، ولكنه عندما شاهد أيوب على خشبة المسرح تمنّى لو أن أمه كانت تمثل بالطريقة ذاتها، كما كتب عنها الكاتب والصحفي د.زكي مبارك عقب حضوره لأول مسرحية قامت ببطولتها بعنوان “كسبنا البريمو” مقالة قال فيها: “لديها حضور رهيب” وهو ما فعله الكاتب أنيس منصور بعد مشاهدته لدورها في مسرحية “المأخوذة” لتمكنها من أداء الدور ومصداقيتها، في حين أطلق عليها د.عمرو دوارة الملقب بـ”حارس ذاكرة المسرح المصري” في كتابه الذي أصدره عنها لقب “فنانة الأجيال” لمعاصرتها وتعاونها مع عدد كبير من المخرجين والممثلين المصريين، ورأى في تصريح له أنها تعادل مكانة فاتن حمامة في السينما، وأم كلثوم في الغناء، وأنها بلا شك سيدة المسرح وأحد رموزه الحاليين، وقد دفعت أيوب بقدرتها الفائقة على الأداء المتنوع الكاتب خيرى شلبي للكتابة عنها قائلاً: “الوداعة والشراسة توأمان في عينيها وهي مارد على المسرح وتذوب شخصيتها في الدور وتظل تحمل همومه وأوجاعه ومن المؤكد أنك ستظل وقتاً طويلاً بعد انتهاء المشاهدة ترى سميحة أيوب باعتبارها شخصية الدور وترى شخصية الدور باعتبارها سميحة أيوب”.
المسرح القومي بيتي
انضمت سميحة أيوب إلى المسرح القومي المصري الذي كانت تقول عنه: “هو بيتي الذى لا يمكنني الاستغناء عنه” وقدمت من خلاله العديد من المسرحيات التي اعتبرها النقاد علامات في طريق المسرح خاصة وكانت لكبار كتّاب المسرح مثل سعد الدين وهبة ويوسف إدريس وألفريد فرج وتوفيق الحكيم وغيرهم، ويرى النقاد أن مسرحيات”سكة السلامة، السبنسة، الندم، الوزير العاشق، السلطان الحائر” من أروع المسرحيات التي قامت ببطولتها وهي التي استلمت العديد من المناصب، منها مدير المسرح الحديث حين كان يعاني من تدهور شديد، وفي خامس يوم من توليها المنصب قامت حرب تشرين فشكّلت الجمعية العمومية للمسرح وكلّفت أعضاءها بالتفكير في عمل مسرحي خلال 48 ساعة، فكانت مسرحية “مدد مدد شدي حيلك يا بلد” من ألحان الموسيقار محمد نوح وأشعار مجموعة من الشعراء، ونجحت المسرحية نجاحاً مدوياً، وكتبت وكالات الأنباء الأجنبية عنها قائلة: “مصر تغني تحت قصف المدافع” مما أدى إلى النهوض بالمسرح الحديث من كبوته على يد مديرته الجديدة، وفي هذه الأثناء كان حال المسرح القومي سيئاً، فطلب منها الكاتب يوسف السباعي وزير الثقافة وقتها أن تترك المسرح الحديث لتصبح مديراً للمسرح القومي عام 1975 أملاً في تحقيق النجاح الذي حققته في الحديث، فوافقت، ونجحت في النهوض به من خلال تقديمها لمسرحية بعنوان “فيدرا” للكاتب الفرنسي جان راسين، وأدت دور البطولة فيها، وكانت من الأدوار الصعبة والمعقدة وهي التي قدمتها أيضاً على مسرح أوبرا كوميك في فرنسا لمدة 15 يوماً فانبهر الفرنسيون بأدائها المميز القوي، وقد استمرت أيوب في إدارتها للمسرح القومي لمدة 14 عاماً، وهي أطول مدة قضاها مدير فيه.
المخرجة
خاضت سميحة أيوب تجربة الإخراج في المسرح عام 1972من خلال مسرحية “مقالب عطية” إعداد الشاعر المصري سمير عبد الباقي عن “مقالب سكابان” لموليير ثم قدمت تجربتها الثانية “ليلة الحنة” لفتحية العسال وهي المسرحية التي أصرت أيوب على إنتاجها على نفقتها الخاصة وكانت ذات طابع سياسي تحلل المسؤولية الفردية تجاه المجتمع، ولانشغالها الدائم كممثلة اكتفت أيوب بهاتين التجربتين.
تأسيس نادي المسرح المصري
أسست سميحة أيوب في العام 1979جمعية نادي المسرح المصري لتتمرد على قيود السلطة الإدارية التي أخذت تضيق الخناق على حرية الإبداع المصري، خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد واختفاء الأعمال المسرحية ذات النزعة الوطنية والتي تنتمي للتراث العالمي والعربي ذات المضامين السياسية والاجتماعية والفكرية، وجاء في بيان النادي: “لقد وقفنا طويلاً نتساءل ماذا يمكن أن نفعل لمسرح يسقط وماذا يمكن أن نقدم لحركة فنية تنحدر إلى الهاوية يوماً بعد يوم؟ وما هو الحل كي يظل الفن في مصر جذوة تضيء للبشرية طريقها وتبقى للكلمة الصادقة قيمتها؟ تساءلنا: كيف يمكن أن يظل المسرح محتفظاً بقيمته حيث يقدم الحقيقة عارية بلا زيف أو رياء؟” وبعد إشهار النادي التف حولها فنانو المسرح القومي وخيرة المخرجين والكتّاب والنقاد، وكان من أولوياتهم إنشاء مهرجان للمسرح العربي وكانت دورته الأولى في القاهرة والثانية في الدوحة.
تراجع المسرح
تعترف سميحة أيوب في أغلب حواراتها أنها كانت على الدوام تفضّل العمل في المسرح عن السينما، وأنها غير راضية عن معظم أدوارها السينمائية كونها لم تُرض غرورها الفني، عكس ما كانت تقدمه على خشبة المسرح من فكر تنويري وأدوار مركّبة مما جعلها تعشق المسرح وتعتبره بيتها الأول، مبينة أنها تشعر وهي واقفة على خشبة المسرح بأنها تمتلك العالم كله في يدها وترى عيون الجمهور كالنجوم المتلألئة فتشعر معهم بالدفء والحنان والاحتواء والحب، فمتعة المسرح لا تضاهيها متعة، مؤكدة أن المسرح مرآة للمجتمع، فإذا كان المجتمع مضطرباً أصبح المسرح مضطرباً، وإذا كان المجتمع متقدماً أصبح المسرح متطوراً وناجحاً، وأنه أداة ثقافية تنويرية حضارية إنسانية اجتماعية تربوية ،ويؤسفها أن المسرح الذي هو رافد من روافد الإبداع قد تراجع كثيراً مبتعداً عن الرسالة الحقيقية له بسبب التهريج واستسهال المسرحيين الذين يقدمون أعمالاً بلا هدف أو مضمون ومن أجل إضحاك الجمهور فقط، وهذا ما ترفضه رفضاً قاطعاً لأن المسرح بالنسبة لها شيء مقدس،لذلك نصحت كتّاب المسرح أن يقدموا أعمالاً تخاطب الشباب والأم والأب لتوجه رسائل توعية في أهم القضايا التي تحيط بنا، خاصة في الفترة الحالية.
وعن غيابها عن المسرح لمدة طويلة قالت: “هناك العديد من المؤلفين يقدمون أعمالاً جيدة، لكن نوعية المسرحيات لا تحتمل الثقل التي قدمته قبل ذلك، ولكن إذا عرض علي عمل أشتهيه لن أتردد في تقديمه فوراً، فأنا لا يمكن أن أشارك في عمل إلا إذا كنت أحبه، ولم أعمل من أجل المادة، والدليل عملي في المسرح طيلة عمري، فالمسرح فقير وكنت أعمل في التلفزيون والسينما كي أصرف على المسرح الذي أقدمه”.
صوت مميز
عُرفت سميحة أيوب بثقافتها الواسعة وحبها للاطلاع، فهي قارئة جيدة في جميع المجالات وليس في الفن فقط، وهي ترى أن الفن والثقافة توأمان، فالقراءة تُصقل الفنان وتوسع مداركه وتنمي ذكاءه الفني، كما أنها تحب الشعر وتؤديه بصوتٍ مميز ومعبّر وصفه الكاتب خيري شلبي: “صوت سميحة أيوب يعطيك الانضباط في شخصيتها، مثل النقود التي تضعها في أحد البنوك، تعرف متى تبخل بها، ومتى تنفقها، ومتى تجزل العطاء” وذلك كناية عن قدرتها الفائقة على التحكم بصوتها وطبقاته حسب كل موقف وكل جملة، في حين قال عنها الشيخ أحمد حسن الباقوري في أحد البرامج التلفزيونية: “أحب أن أسمع اللغة العربية من فم السيدة سميحة أيوب”.
أوسمة وجوائز
حصلت سميحة أيوب على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مشوارها الفني، منها وسام الجمهورية في العلوم والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم في منتصف الستينيات، وسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان، ودكتوراه فخرية من جامعة عين شمس عام 2016 وإطلاق اسمها على القاعة الرئيسية في المسرح القومي في العام نفسه، وجائزة الدولة التقديرية.