مجلة البعث الأسبوعية

ماذا في جعبة نقابة المهندسين .. هل من حلول هندسية لتشييد أبنية مقاومة للزلازل الشديدة؟!

البعث الأسبوعية ـ علي عبود

زاد اهتمام الناس بالمهندسين بعد زلزال 6/2/2023 أكثر من اهتمامهم بالجيولوجيين الذين هم الأدرى بأسباب الزلازل وانهيار الأبنية القائمة على تربة غير مناسبة أو غير مدروسة بشكل جيد، وسبب الاهتمام أن الفرق الهندسية انتشرت في المناطق المنكوبة للكشف على الأبنية السليمة، والمتشققة والمتصدعة، بالإضافة إلى أخذ عينات من الأبنية المنهارة لتحليلها والكشف عن سقوطها سريعاً خلال الثواني الأولى للهزة الأرضية.

ولعل السؤال الذي يطرحه الجميع ما بعد كارثة الزلزال: هل من حلول هندسية لتشييد أبنية مقاومة للزلازل الشديدة في القادم من السنوات؟

والسؤال المهم أيضا: هل من حلول للأبنية الهشة المخالفة للشروط الفنية وللكود الزلزالي المنتشرة بكثرة في جميع المحافظات وخاصة في مناطق المخالفات والعشوائيات؟

لماذا لم يُنفّذ الكود الزلزالي؟

كشفت نقابة المهندسين عن خطة تعمل عليها النقابة بالتنسيق مع الحكومة لوضع برنامج شامل يتضمن تقييم الأضرار جراء الزلزال، وخصوصاً في المناطق التي تضررت بشكل كبير لتحديد الأسباب بدقة وموضوعية وبشكل احترافي، والتي أدت إلى انهيار المباني في تلك المناطق وخصوصاً أن هناك مباني حديثة انهارت، وذلك بعد وضع بيانات تحدد الاستجابة التي تمت أثناء وقوع الزلزال.

والسؤال: بما أن دول المنطقة تتعرض على مدى الـ 25 عاما الماضية إلى زلازل متقاربة، وتأثرت بهزاتها سورية بشدات متفاوتة كانت أقواها في 6/2/2023، لماذا أهملت الحكومات المتعاقبة تنفيذ الكود الزلزالي لنقابة المهندسين منذ عام 2005، وتساهلت بانتشار العشوائيات وبعدم قمع المخالفات في المناطق النظامية؟

وهذا السؤال يقودنا إلى السؤال الأهم: هل اهتمت الحكومات المتعاقبة منذ الهزة الشهيرة التي تعرضت لها سورية في عام 1996 بالدراسات التي أنجزتها مراكز الرصد الزلزالي سواء في سورية أو المنطقة والتي حذرت بأننا دخلنا في حقبة الزلازل القوية بعد هدوء استمر لأكثر من 200 عام؟.

هل السبب بالتربة أم بالأساسات؟

ربما هي المرة الأولى التي يطرح فيها الناس السؤال: هل السبب بانهيار الأبنية في زلزال 6/2/2023  يعود لأساسات البناء أم للتربة؟

إذا كان السبب بالأساسات، فنحن أمام مشكلة هندسة معمارية، سببها عدم تنفيذ الاشتراطات والكود الزلزالي الموضوع من قبل نقابة المهندسين، وإذا كان السبب التربة، فهذا ينقلنا إلى ضعف أو غياب دراسات ميكانيك الترب التي تختلف من منطقة إلى أخرى وهي من اختصاص المهندسين الجيولوجيين.

إلى ماذا تقودنا هذه المعطيات؟

قد تكون الاشتراطات الهندسية بما فيها الكود الزلزالي متوفرة في البناء، ومع ذلك ينهار عند هزة متوسطة الشدة، والسبب يكون بضعف التربة التي أهمل أصحاب البناء أو المتعهدون فحصها مسبقا، ربما تكاسلا أو إهمالاً أو بقصد التوفير..الخ.

وبما أن الواقعة وقعت، والأرض لن تتوقف عن زلزالها، فمن الضروري جداً أن تلزم الحكومة شركات البناء الخاصة، وجميع المقاولين والمتعهدين،  بعدم قبول أي أعمل بناء من الآن فصاعداً إلا بإشراف هندسي يبدأ بفحص التربة بشكل دقيق وشامل، مروراً بأعمال التشييد، وانتهاءً بالاختبارات أثناء تنفيذ بناء الأبنية مثل اختبار الحديد وغيره، ولا يمكن أن يتم هذا الأمر إلا بتعاون جدي وفعال بين نقابة المهندسين، ووزارتي الأشغال والإدارة المحلية.

الاستعانة بخبراء الزلازل

ولا شك أن نقابة المهندسين بعد زلزال 6/2/2023  ستعيد النظر بالكودات، وخاصة الكود الخاص بالزلازل لتطويره وتحديثه في ضوء المعطيات الزلزالية الأخيرة سواء في سورية أو تركيا، وكذلك تحديث الكودات والأدلة الاسترشادية التي صدرت خلال السنوات الماضية، للوصول إلى البناء الآمن إنشائياً، والمحقق لمتطلبات الصمود بوجه أي كارثة مهما كانت..الخ.

وبما أن الهدف المستقبلي هو تشييد أبنية صديقة للبيئة وضمن معايير البناء الاقتصادي أي أقل كلفة، فقد آن الأوان لوزارة الأشغال لتفعيل العروض المقدمة لها منذ أكثر من عشر سنوات من دول صديقة وخاصة روسيا والصين، وميزة هذه العروض أنها تضمن التشييد السريع جدا لأبنية مقاومة للزلازل، وصديقة للبيئة وكلفتها قليلة مقارنة بالأبنية التقليدية.

وبما أن لدى سورية تجربة في تشييد الأبنية المسبقة الصنع منذ ثمانينيات القرن الماضي، فلماذا لا تقوم وزارة الأشغال بالتنسيق مع نقابة المهندسين بتأمين المستلزمات للشركات الإنشائية العامة لتفعيل هذه التقنية مجدداً بالاستفادة مما  لحقها من تطورات وذلك بالاستعانة بشركات من روسيا والصين والتي لديها خبرات في تشييد الأبنية المقاومة للزلزال؟

نعم، من الضروري أن تستفيد الحكومة بعد الزلزال ليس من كوادر نقابة المهندسين فقط، وإنما أيضاً من خبرات المعهد العالي للدراسات والبحوث الزلزالية الذي يضم نخبة من كبار المهندسين الإنشائيين وخاصة المتخصصين في العلوم الزلزالية، فهذه الخبرات بإمكانها مساعدة الحكومة من خلال وزارة الأشغال في إنجاز البرامج والتصاميم الحديثة للأبنية المقاومة للزلزال.

من استهتر بالكود الزلزالي؟

من الطبيعي أن تقوم نقابة المهندسين بعد زلزال شباط الماضي بتطوير الكود العربي السوري الخاص بالزلازل بما يزيد من تحصين المباني ضد الأخطار الزلزالية، وخاصة بعد تأكيد الجيولوجيين إن المنطقة باتت تحت خطر وقوع زلازل شديدة في القادم من السنوات.

وعملية تطوير الكود السوري تحتاج بداية إلى تنسيق  بين نقابة المهندسين وخبراء المركز الوطني لرصد الزلازل لدراسة آثار الزلازل على المباني من الناحية الإنشائية، لوضع آليات وقواعد واضحة ليصار إلى اعتمادها في عمليات البناء والتدعيم في القادم من السنوات.

ولم نفاجأ بما اكتشفته الفرق الهندسية التي عاينت المناطق المنكوبة بأن المبانــي المتضررة غير مصممة وغير منفذة وفق الكود العربــي السوري، النافذ منذ عام 1996 ، مع أنها لم تحدد الجهات التي استهترت أو غضت النظر عن قيام أحياء سكنية كبيرة دون التقيد بالاشتراطات الهندسية، هل هي البلديات أم المتعهدون أم أصحاب العقارات أم الكل بهدف التوفير بكلف البناء إلى الحد الأقصى رغم المخاطر التي تنجم عن ذلك إلى حد إن بعض الأبنية انهارت في السنوات الماضية دون زلازل!

من سيلزم البلديات؟

وبما أن نقابة المهندسين بدأت فعليا بإنجاز ملاحق للكود السوري خاصة بتصميم وتنفيذ قواعد الآلات، وتنفيذ الجدران الحاملة والجدران غير المسلحة، وبالآثار الضارة إنشائياً الناتجة عن التمديدات الصحية.. الخ، فإن السؤال يبقى مطروحاً: من سيلزم البلديات ومتعهدي البناء وأصحاب العقارات بتنفيذها؟

باستثناء شركات القطاع العام لا يمكن الجزم أن الاشتراطات الهندسية سواء النافذة منذ عام 1996 أو إضافتها الجديدة ستجد طريقها إلى التنفيذ إلا بوجود جهة رقابية صارمة كنقابة المهندسين مثلا؟

وبعدما كان صاحب العقار ومتعهد البناء ينظر إلى تعيين مهندس مشرف كزيادة للتكلفة، فقد آن الأوان لتُلزم وزارة الأشغال كل من يتقدم برخصة بناء أن بتعيين مهندس إشراف على أعمال البناء معتمد من النقابة مهمته ضبط الجودة في التنفيذ والتحقق من المواد والمواصفات المتعلقة  بالفولاذ والخرسانة وخاصة ما يتعلق منها بالمباني العالية والمميزة ،وقد أكدت نقابة المهندسين على ضرورة عدم استلام أي مبنى جديد إلا من قبل لجنة فنية مؤهلة وأن تقوم هذه اللجنة بالتأكد من صحة التنفيذ مع إجراء بعض الاختبارات الممكنة.