مجلة البعث الأسبوعية

أسواق رمضان.. من يطفىء لهيب أسعارها؟ حركة تصاعدية معيارها الجشع والاستغلال..و”حماية المستهلك” تُكثّف دورياتها وتؤكد تعاطيها بحزم مع أية مخالفة!

 حلب ــ معن الغادري

اعتدنا في مثل هذه الأيام التي تسبق شهر رمضان المبارك من كل عام على تأكيدات من المسؤولين في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتخفيض الأسعار.. لكنها في حقيقة الأمر لا تتوافق مع الواقع الحقيقي للأسواق المنفلتة وغير المراقبة والتي تشهد فوضى عارمة وارتفاعاً حاداً في الأسعار بين لحظة وأخرى، دون أي رادع أخلاقي أو قانوني، وهو ما يزيد من أعباء المواطنين ويحد من قدرتهم على تأمين الحد الأدنى من متطلبات واحتياجات أسرهم خلال الشهر الفضيل.

وفيما يعزو البعض أسباب هذه الفوضى إلى ضعف الرقابة وعدم قيام دوريات حماية المستهلك بالمهام المنوطة بها لناحية ضبط إيقاع الأسواق والحد من ارتفاع أسعار السلع الغذائية واللحوم والخضروات والفواكه وغيرها من لوازم شهر رمضان، يرى كثيرون أن المشكلة تنحصر في كبار وصغار التجار وسماسرة ومرتزقة ومنتهزي المناسبات الذين يتحكمون بالسوق وبآلية العرض والطلب ويديرون العملية بحرفية عالية بعيداً عن الأعراف الأخلاقية والإنسانية التي من المفترض أن تتجلى وتتجسد في هذا الشهر الكريم دون غيره من أشهر السنة.

 هاجس المواطن

وعلى الرغم مما يقال – وهو مؤكد – بأن شهر رمضان هو شهر الرحمة والغفران والبركة والخير والإيمان، إلا أنه بات في الآونة الأخيرة هاجساً حقيقياً وعبئاً كبيراً وثقيلاً على المواطنين من “ذوي الدخل المحدود والمتوسط”، والذين فقدوا الحيلة في تدبر أمورهم المعيشية وتأمين أبسط متطلبات واحتياجات أسرهم اليومية.

ومرد ذلك الفشل الذريع في معالجة هذا الملف لعدم قدرة مديرية حماية المستهلك بضبط حركة السوق، وبما يتوافق مع لوائح الأسعار اليومية الصادرة عنها، بينما يرى عدد كبير من الذين استطلعنا آراءهم حول هذه القضية، أن المشكلة “أخلاقية” تتمثل بالممارسة غير المسؤولة من طرفي المعادلة وبسوء استخدام السلطة والصلاحيات الممنوحة في كثير من الأحيان، إذ ما تزال كلمة الفصل في السوق لكبار وصغار التجار، وهو ما يؤدي في المحصلة إلى هذا الانفلات غير المسبوق في آلية العرض والطلب وفي ارتفاع الأسعار، كما يؤدي إلى زيادة حالات الغش والتدليس، والتي غالباً ما يدفع المواطن ضريبتها من جيبه وصحته.

محاولات مشبوهة

لا شك أن المشهد التمويني في شهر رمضان يختلف كلياً عن أشهر السنة العادية، لناحية تزايد العرض والطلب والتسعير والمواصفات وجودة المنتج، ويبقى هذا الشهر محكوماً بمحاولات مشبوهة من قبل التجار لاحتكار بعض المواد الأساسية بهدف تحقيق أرباح إضافية، وهذه المحاولات غالباً ما تؤدي غرضها وتظهر بشكل علني وعلى عينك يا تاجر، وبعيدة عن أعين الرقابة، وهنا المعضلة الحقيقية في هذا الملف الشائك والمقلق بالنسبة للمستهلك الذي لا يجد من يحميه من الابتزاز والجشع؛ وبالتالي نجد لزاماً على الجهات الرقابية أن تمارس دورها الميداني بكل جرأة وحزم وعدم التهاون مع حالات التلاعب بقوت المواطن، ومن ثم إعادة ترتيب وتنظيم المشهد التمويني على نحو أكثر انضباطاً وتوازناً، وبما يسهم في تأمين الحماية الفعلية للمستهلك ويجنبه جشع واستغلال التجار وغيرهم من مرتزقي ومستثمري المناسبات.

مفارقة غير مفهومة

مع بداية كل رمضان تتكرر معاناة الأسرة وبصورة أشد قسوة هذا العام، لجهة تزايد الحاجة وضعف الموارد والمداخيل وعدمها عند الكثيرين، إذ لم تعد الأسرة قادرة على مجاراة ارتفاع الأسعار، وتجد نفسها عاجزة عن تدبير حاجياتها التي اعتادت عليها في الأعوام السابقة.

ومع أن نسبة العجز الاقتصادي تختلف بين أسرة وأخرى، بحسب الدخل، إلا أن المشهد يبدو عاماً في ضوء ما تشهده البلاد من أزمات وكوارث طبيعية، ومن ضعف بالموارد، ولكن يبقى أصحاب الدخل المحدود وخاصة العاملون في الدولة “الموظفون” هم الحلقة الأضعف نظراً لمحدودية رواتبهم الشهرية الثابتة في وقت تشهد فيه الأسواق حركة متغيرة صعوداً لا تتناسب مع مدخولهم الشهري قطعاً.

والمفارقة غير المفهومة في أن الرواتب والأجور لم تتزحزح درجة واحدة، أمام ما أحدثه زلزال الأسعار، وثبات الراتب لا شك أنه ينعكس سلباً في هذه العلاقة مع الغلاء على صاحبه ويدخله في دوامة البحث عن بدائل وإيجاد حالة تكيف بين الدخل وبين تأمين مستلزمات العائلة، وهذه معادلة من الصعب جداً تقبلها، خاصة أن الكثيرين وبعد أن صرفوا كل مدخراتهم، لجأوا إلى خيار صعب ومؤلم، وهو بيع قطع من أثاث منزلهم، ليتمكنوا من تأمين قوت يومهم.

 تكيّف قسري

ومع أن هناك تفاوتاً في الآراء حول المسؤولية عن ارتفاع الأسعار بين العادات الاستهلاكية أو جشع التجار أو غياب الرقابة، إلا أن العنوان يبقى ارتفاع الأسعار وكيفية تكيّف العائلات معه وتجاوزه بأقل الخسائر خلال هذا الشهر الذي يتوجه قدوم عيد الفطر ليكون عاملاً إضافياً من عوامل الضغط الاقتصادي على الأسر بشكل عام.

يقول مأمون -وهو مدرس ورب أسرة مكونة من خمسة أشخاص- : ارتفاع الأسعار بات تقليداً للتجار مع بداية رمضان، خاصة مع ضعف الرقابة، كاشفاً أنه أصبح يقتصد ويختصر العديد من السلع للتكيف مع هذا الشهر بما يلائم دخله الشهري، إذ أصبح راتبه يعادل ما يقارب 1.5 كغ من اللحمة أو فروجة ونصف.

ويؤكد أبو سمير المعيل لأسرة مكونة من ستة أشخاص من ضمنهم والدته المسنة، أنه وبالرغم من مضاعفة ساعات عمله اليومي غير قادر على تأمين الحد الأدنى من احتياجات أولاده وأمه، فالحالة المعيشية أصبحت صعبة جداً وفوق كل طاقة.

وتقول السيدة أم رائد، من أصعب ما أواجهه أنا وزوجي، هو عملية المواءمة بين احتياجات ومتطلبات أبنائنا وما يشتهونه، سواء من خلال ما يسمعونه من زملائهم والجيران والأقارب أو ما يشاهدونه في الأسواق، وبين الدخل الشهري لها ولزوجها، والذي لا يمكن أي يلبي ربع المتطلبات، على حد قولها.

وتتمنى أم محمد على القنوات الفضائية عدم عرض أي برنامج عن أطباق رمضان لأن مكونات تلك الأطباق لا يمكن للغالبية من الأسر أن تقوم بشرائها، متسائلة: كيف يمكن أن نقنع أبناءنا بعدم مقدرتنا على طبخ تلك الأطباق.

أما الحاج أبو حسن فقال: الغلاء أمر معيب ولكنه أصبح أمراً واقعاً، وهذا الواقع أدى إلى إلغاء العديد من العادات الاجتماعية الطيبة التي كانت تزيد من تماسكه، حيث لم يعد بإمكان الأسر الفقيرة أن تقيم الدعوات للأقارب، والتي كان من شأنها زيادة المحبة والتآخي، وذلك طبعاً بسبب الأوضاع الاقتصادية، مضيفاً إن الاحتياجات الآنية والطارئة والملحة تبقى هي المسيطرة، إذ تقوم الأسرة بإلغاء العديد من المجاملات والمناسبات الاجتماعية، والكثير من الأمور يصبح نوعاً من الرفاهية التي لا بد من الاستغناء عنها.

ويوضح فاضل أنه يحاول قدر المستطاع تلبية احتياجات أسرته وتأمين مستلزماتها وأن يشتري المنتجات التي يحتاجها والتي تستهلكها أسرته طوال شهر رمضان قبل بداية الشهر لأنه متيقن أن الأسعار ستزداد مع حلول الشهر الفضيل.

ولا يختلف رأي هيثم عن رأي جاره مؤكداً أنه يحاول تقديم مختلف أنواع الأغذية لأبنائه والتي يحتاجونها ويشتهونها، لكنه لا يستطيع ذلك بالمجمل، مضيفاً أنه مع بداية الشهر الفضيل وبدل أن تنخفض الأسعار نتيجة الطلب والبيع يحدث العكس حيث تزداد الأسعار بشكل كبير.

 أسعار متفاوتة

وللوقوف على أسعار بعض السلع توجهت “البعث” لأحد أصحاب المحلات للتعرف على أسعار السلع الأساسية ومتغيراتها المتواترة، إذ يقول أحد أصحاب المحال لبيع المواد الغذائية في وسط المدينة أن ارتفاع الأسعار مرتبط بكلف الإنتاج وبتغير سعر الصرف، ويشير إلى أن الأسواق تشهد بروداً وتراجعاً في الطلب بسبب عدم توفر السيولة المالية لدى المستهلكين من جهة، وتخفيض الكميات المشتراة من المستهلكين من جهة أخرى، فبدل أن يشتري المواطن أنواعاً عدة يكتفي بنوع واحد أو اثنين، وكذلك يخفض كمية ما يشتريه، منوهاً إلى أن هذا النمط الاستهلاكي يؤثر على الربح لأن تاجر أو بائع التجزئة “المفرق” نسبة ربحه لا تزيد إذا زاد السعر، فالزيادة تنعكس على تاجر الجملة بينما بائع التجزئة يهتم للبيع الكثير، وهو ما لا يكون إلا بوجود أسعار مخفضة، مبيّناً أن تجار الجملة هم من يفرضون الأسعار، وبحاجة إلى من يراقبها ويضبطها.

ويتابع قوله كل يوم تطرأ زيادة على الأسعار، ونحن لا نملك إلا البيع حسب يردنا من تجار الجملة.

تدخل إيجابي

“السورية للتجارة” وعبر تدخلها الإيجابي خاصة في المناسبات، ومنها شهر رمضان المبارك، أسهمت إلى حد ما في التخفيف من أعباء المواطنين وأحدثت نوعاً من التوازن في أسعار السوق عبر طرح مجمل مستلزمات واحتياجات الأسرة خلال الفترات السابقة وخلال هذه الأيام التي تسبق الشهر المبارك وبأسعار متوازنة وبأقل من السعر الرائج بنسبة تتراوح بين 10 ‎%‎ و20 ‎%‎ وأحياناً ‎%‎30.

خلال زيارتنا إلى صالة الأعظمية للسورية للتجارة بحلب وهي الأكثر استقبالاً للمواطنين يومياً، بين مديرها خالد شعبان بأنه تم طرح تشكيلة واسعة من المواد والسلع الغذائية وغيرها من المستلزمات اليومية وهي تلبي كل احتياجات الأسرة وبأسعار مناسبة ومتهاودة، يضاف إلى ذلك أنه تم تثبيت أسعار كافة المواد ولم يطرأ أي تبدل عليها قياساً على متغيرات السوق، وهو ما نحرص عليه دائماً لنكسب ثقة المواطن وللتخفيف من أعبائه المتزايدة، وهو ما رفع من وتيرة العرض والطلب في معظم صالات المؤسسة في حلب وزاد مبيعاتها خلال الفترات السابقة والحالية.

وأشار إلى أن المواد والسلع الأساسية متوفرة بكثرة في كافة منافذ وصالات المؤسسة وفرع المؤسسة بحلب يسعى بشكل مستمر ودؤوب للحفاظ على الأسعار من خلال تأمين المواد من المصدر، سواء كان منتجاً للمادة أو مستورداً لها، بعيداً عن أي وساطة أو سمسرة.

 رقابة مشددة

بدوره أحمد سنكري مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب أشار إلى أن دوريات الرقابة ستكثف من عملها خلال هذا الشهر وستتعاطى بحزم وشدة مع أي حالة غش أو تدليس أو ارتفاع في الأسعار أو تلاعب بالمواصفات والجودة، وذلك وفق ما نصر عليه المرسوم رقم 8، داعياً المواطنين إلى التعاون والإبلاغ عن أي مخالفة مهما كانت، على رقم الشكاوي المجاني 119.

وأضاف: بالرغم من ضعف الإمكانات البشرية والفنية والتقنية إلا أننا نسعى بكل طاقتنا لضبط إيقاع السوق وحماية المواطن من أي استغلال.

ختاماً

متغيرات السوق وحالات الجشع والاستغلال التي يمارسها البعض من كبار وصغار التجار لا تخضع إلى أي معايير أخلاقية وإنسانية، وهنا يبرز دور الجهات الرقابية والمعنية في المحافظة، والمطلوب منها تشديد رقابتها والتعاطي الحازم والصارم مع أي محاولة تستهدف قوت المواطن، ليحمل رمضان هذا العام الخير والبركة وليكون أخف وطأة من سابقه على جيوب ومدخرات المواطنين، وهنا لا بد من التأكيد على دور مجلس محافظة حلب، والمفترض أن يكون حاضراً وبقوة خلال هذه الفترة ليكون عوناً وسنداً للمواطن، وليحميه من جشع واستغلال حيتان السوق.