آثار الزلزال ما زالت تفعل فعلها.. دمار في جدران البيوت وألم في القلوب!
آلاف البيوت دُمرت وتصدعت جراء الزلزال الذي ضرب البلاد في السادس من شهر شباط الماضي “ليضيع شقا العمر بغمضة عين”، ويتشرد آلاف المواطنين ويبدؤون من جديد رحلة العذاب بحثاً عن منزل آخر بالإيجار ريثما تتضح الأمور، ولكن من يعوض الأذى الجسدي ويخفف التعب النفسي وآثاره الخطيرة حيث ستبقى المشاهد المرعبة حية في ذاكرة كثيرين تدمى قلوبهم من فقد أعز الناس ودمار بيوت كانت تحمل ذكريات جميلة؟
الإنسان ذاكرة!
ينفرد الإنسان عن غيره من المخلوقات بميزة وهي تحكّم الذاكرة بمشاعره التي يختزن بها الصور والوقائع الماضية. ووفق المرشدة الاجتماعية نسيبة مسلم فإن الذاكرة تسترجع الذكريات، بحلوها ومرها، عندما يكون هناك أمر كبير يسبب الأذى، ولنا في الزلزال الأخير مثال واضح على ذلك، وخاصة ما يتعلق بذكريات البيت، فهو الصندوق الذي يضع فيه الإنسان كل ذكرياته الجميلة مع أعز الأشخاص، وفقدانه ليس سهلاً، لأنه بمثابة الوطن الثاني، فالبيت هو الأمان الذي يلجأ له أفراد الأسرة وقت فرحهم وحزنهم وقلقهم، وعند دماره يشعر أفراد العائلة بالوحدة والميل لإعادة الأحداث الصادمة من خلال الذكريات والصور المتكررة بطريقة لا إرادية يصحبها الحزن والكآبة أثناء اليقظة مترافقة بالكوابيس أثناء نومهم.
وتؤكد مسلم أن هذا الشعور المؤلم يستدعي بالضرورة العلاج الذي ليس بالأمر السهل بل يحتاج لوقت طويل، كونه يرتبط بمراحل ترتبط بحالة كل مريض، مشيرة إلى أن أهم خطوة بالعلاج هي نوع الدعم المقدّم، ومدى مناسبته لكل فرد، حيث يجب تقديم الدعم العاطفي والنصائح العلمية ووضع خطط وبرامج للتواصل مع الآخرين وأهمها عدم مشاهدة المقاطع المتعلقة بالزلازل على الإنترنت لأنها مصدر قلق خاصة عند الأطفال الذين يحتاجون للاحتواء كي يشعروا بالأمان والهدوء، والحرص على تهيئة مكان نوم مناسب لهم وتشجيعهم على تقبّل الواقع بفقدان البيت والأحبة إضافة لضرورة التحلّي بالإيمان والصبر وتفريغ العواطف والمشاعر السلبية المختزنة والانغماس بالحياة الاجتماعية والعلمية، ونوهت الباحثة الاجتماعية بأهمية الدعم النفسي الذي تبدأ معه الأعراض بالزوال تدريجياً.
“دع القلق وابدأ بالحياة”
وأشارت مسلّم إلى عدد من البرامج التأهيلية التي تساعد في تجاوز أزمة آثار الزلازل كالتفاؤل والتفكير بإيجابية لشحذ الهمم، والانشغال بالحياة مستشهدة بالقول السائد “دع القلق وابدأ بالحياة”، لأنه من المحال لأي ذهن بشري مهما كان خارقاً أن ينشغل بأكثر من أمر في وقت واحد، وبالتالي إما أن تكون دائماً حزينا فتصاب بمرض نفسي أو تملأ الوقت بكل ما هو خير، وشددت على أهمية إعادة الروتين اليومي خاصة وأن الكثيرين تغير روتينهم مع ضرورة التواصل مع الآخرين وعدم الانطواء على النفس لأن الانعزال لا يساعد على التعافي، والعمل على المعالجة من شعور الأرق والقلق والاكتئاب والحزن.
لا تعرف عمراً
الصدمة النفسية لا تعرف عمراً، فهي تصيب الكبار والصغار، وبحسب ما ذكرته الباحثة الاجتماعية هبة موسى فإن الصدمة تشكل ضغوطاً نفسية طارئة لا قدرة على السيطرة عليها، فهناك أطفال بعمر الأربع سنين يصرون على البقاء في غرفهم يراقبون أثاث المنزل جراء حالات الصدمة التي عاشوها وسط محيطهم، واستحضرت مثالاً واقعياً عن طفلة بعمر العشر سنوات تشرف على متابعة حالتها، مشيرة إلى أنها تبقى مستيقظة طوال الليل رغم العتمة، لاعتقادها أنه في حال نامت سيحدث زلزال آخر وستفقد بيتها وأهلها، لذا هي تراقب أثاث المنزل، حتى الكأس على الطاولة، ظناً منها أنها ستسبق الزلزال وتهرب.
وبينت ان حالة تلك الفتاة تبدو نتيجة طبيعية بعد الصدمة النفسية التي ألمت بها وهي ترى أمها قلقة ومتوترة وهي تشاهد الدمار والخراب عبر شاشة التلفزيون أو مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أهمية الدعم النفسي للأطفال في مراكز الإيواء وفي المدارس وفي كل مكان يتواجد فيه أطفال عايشوا لحظات حدوث الزلزال وإبعادهم عن الأوهام وكل ما يساهم أو يتسبب بخلق التوتر وحالة من الفوبيا التي قد تكون شديدة ويصعب السيطرة عليها أو علاجها.
غزو نفسي
وتوضح موسى أن التفكير بالكوارث الطبيعية التي يمكن أن تحصل بأي لحظة وبأي مكان تجعل الإنسان دائم التوتر خشية فقدان الأمان، وفقدان المنزل، وفقد الأحبة، وهذا الخوف أو القلق يعتبر غزوا نفسيا للبنيان النفسي ويسبب الاكتئاب، فالخوف وعدم السيطرة على الأفكار كأن يكون الأب أو الأم كثيري العصبية، لأن هذا سينعكس على الحالة العامة، فالقلق هنا ليس من رهاب الزلزال بحد ذاته بقدر ما هو دخول البعض بحالة فقدان الأمان النفسي والصراع الذاتي وظهور الألم والحزن وصولاً على فقدنا للذة الحياة وبالتالي سنخسر فرصة تقديم المساعدة لضحايا الزلزال في المناطق المنكوبة، فهم خسروا دفء بيوتهم بالزلزال المدمر ونحن خسرنا سكينة منازلنا التي نسكنها.
جوانب إيجابية
بالمختصر ينصح علم النفس بألا نأخذ الجانب السلبي للزلزال والأزمات عبر إعادة تقييم العلاقات الإنسانية مع الأشخاص سواء العلاقات العائلية القريبة، والابتعاد عن التفكير السلبي والمساهمة مع الآخرين من خلال العمليات التطوعية التي تشحننا بحالة إيجابية، وعلى الجهات المعنية ان تسرع في تأمين السكن البديل اللائق ريثما يعاد بناء المنازل، وكلنا أمل ان يستمر تكافل وتضامن السوريين بقلوبهم ومساعدتهم المادية والعينية، وعلى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن تعمل على نشر ثقافة المساعدة فيما بيننا، وخاصة في هذا الشهر الفضيل الذي يكثر فيه فعل الخير.
ليندا تلي