في تفكيك النفاق الأمريكي الجديد
أحمد حسن
كما هو متوقع ومعتاد، لم يكن تعليق الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارة له إلى أوتاوا بكندا يوم الجمعة الماضي، على اشتباكات شرق الفرات الأخيرة بالقول إنَّ “الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنَّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها” إلا كلاماً مخادعاً ومخاتلاً بالمطلق، ما يتطلب ضرورة تفكيكه لبيان أوجه المراوغة والبطلان فيه.
والحال فإن هذه “الأوجه” لا تنطبق على المنطوق فقط، أي نفي الصراع مع إيران من جهة، والعمل بقوة، من جهةٍ أخرى، “لحماية الشعب الأمريكي”، بقدر ما تنطبق على المسكوت عنه، أو تحديداً ما يريد هذا التصريح حرف الأنظار عنه وهو حقيقة ما جرى في تلك المنطقة خلال الأسبوع الماضي من مواجهة عنيفة بين مقاومة شعبية وقوات احتلال غاشم لبلادها.
وبالطبع لن نتوقف طويلاً عند قصة “حماية الشعب الأمريكي” لأن أحداً من هذا “الشعب” لا يعيش في “شرق الفرات” ولا تشكّل له القوى الشرعية والشعبية الموجودة هناك أي خطر لا آني ولا مستقبلي، بل إن هذه القوى، في محصلة عملها، تقوم بحمايته أيضاً عندما تحمي نفسها وشعبها من الخطر الحقيقي الناجم عن تحويل بلاده تلك المنطقة إلى حاضنة للإرهاب العالمي العابر للحدود والدول، وبالتالي فإن إيراد هذه الجملة في تصريح “بايدن” ليست إلا محاولة لـ”دغدغة” الروح الوطنية الأمريكية وإثارة مخاوفها في الآن ذاته، وهذا مثله، في المراوغة والبطلان، كمثل إيراد إسم إيران في سياق نفي “الصراع معها” الذي يأتي في محاولة “لتكبير الحجر” من جهة أولى، والتغطية على حقيقة وجود المقاومة الشعبية السورية الرافضة لقواته الاحتلالية، أو على الأقل دمغها بصفة التبعية لخارج ما كي ينفي عنها صفة المقاومة الطبيعية والقانونية والمشروعة ضدّ الاحتلال التي يفرضها ويحميها القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة.
بيد أن مآرب الرجل من هذه المخاتلة لا تقتصر على ما سبق، فهو يريد أولاً أن يساوي بين وجود إيراني رمزي ومشروع جاء لمساعدة الحكومة السورية في حربها على الإرهاب ووجود قواته الاحتلالي، وغير الشرعي والذي جاء تحديداً لمساعدة وحماية الإرهاب في حربه المستمرة على الشعب السوري، ويطمح، ثانياً، إلى التغطية على “فشل النظام الدفاعي الأمريكي المتطور جداً في هذه القواعد في التصدّي للمسيّرات التي قصفت قاعدة الاحتلال” عبر القول: إن دولة إقليمية كبرى تقف خلفها لا مجموعات شعبية مقاومة، لأن الاعتراف بهذا الأمر سيلحقه طرح سؤال هام جداً عن كيفية ضمان التحمّل الأميركي لتصاعد هذه العمليات النوعية، خصوصاً وقد بدأ الدم الأميركي بالنزف، أما ثالث المآرب “البايدينية” فهو ذو طبيعة لحظية وهي التغطية على جريمة العدوان في الاعتداء الآثم الذي شنّته قواته “على بعض المناطق في محافظة دير الزور، والذي أدّى إلى سقوط عددٍ من الضحايا، وإصابة آخرين وإلحاق أضرار مادية”، والتغطية على مواصلته سرقة النفط السوري، ففي ذلك اليوم تحديداً، وعلى غرار كل يوم آخر، “قامت تلك القوات بتهريب 80 صهريجاً محمّلاً بالنفط الخام المسروق من الحقول الجزيرة عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى خارج سورية”.
والحال فإن ما جرى رغم محاولة بايدن التلاعب بحقيقته عبر تصريح مخادع هو بداية مرحلة جديدة ليس أقل ما فيها “وضع مستقبل الاحتلال الأميركي على الطاولة السياسية داخل واشنطن بقياس الكلفة بالعائدات”، وإذا لم يصل هذا النقاش إلى نهايته المنطقية بانسحاب طوعي من “الحروب غير القانونية” كما قال السيناتور الجمهوري، راند بول، فإن نهاية هذه “المرحلة الجديدة” لن تكون إلا بتكرار المشهد الشهير للمروحية فوق سطح السفارة الأمريكية في فييتنام، كما سيتكرر معه مشهد تركها للعملاء أيضاً معلقين بحبال الوهم وبعجلات طائراتها المغادرة على عجل ..فهل من يعتبر؟!!.