فرنسا تغرق في الفوضى
هيفاء علي
تشهد ساحات المدن الفرنسية منذ عدة أشهر مظاهرات احتجاجية على قانون إصلاح نظام التقاعد، المثير للجدل، والذي يرفع سنّ التقاعد عامين آخرين، من 62 إلى 64، لكن رجال الشرطة قمعوا هذه الاحتجاجات، وشنّوا حملة اعتقالات تعسفية بحق المتظاهرين. ورغم المعارضة القوية لهذا القانون، والتي أبداها الشارع الفرنسي والمعارضة والاتحادات النقابية على حدّ سواء، إلا أن السلطات مررت القانون بالقوة وتجاوزت الجمعية الوطنية، لتجبر الفرنسيين على العمل لمدة عامين آخرين.
وفي محاولة منه لتهدئة غضب الشارع المتزايد عقب تمرير القانون بالقوة في البرلمان، أجرى ماكرون مقابلة تلفزيونية أعلن فيها تمسكه بالقانون، متوقعاً أن يدخل حيّز التنفيذ بحلول نهاية العام. وقد أثارت المقابلة، التي استمرت 35 دقيقة، غضب المعارضة والاتحادات النقابية، فيما حذّرت منظمة العفو الدولية من استخدام القوة ضد المتظاهرين، والاعتقالات التعسفية التي تخللت المظاهرات.
وبحسب المحلّلين الفرنسيين، فإن قانون الإصلاح هذا يعدّ إصلاحاً مضاداً آخر يهدف إلى تفكيك المكاسب الاجتماعية للسنوات “الثلاثين المجيدة”، بغية زيادة إثراء الأوليغارشية على حساب الشعب الفرنسي. كان الفرنسيون يقاتلون منذ شهور مع اتحاد النقابات وأحزاب المعارضة ضد هذا الإصلاح الذي رفضه 70٪ منهم، بدون جدوى، تلاها اقتراح بحجب الثقة فشل في الإطاحة بالحكومة بـ9 أصوات فقط. لقد خرجت فرنسا إلى الشوارع مرة أخرى، وكانت مظاهرات جامحة، أشعلت، مع تقدمها، النار في أكوام القمامة التي تتناثر في الشوارع بسبب إضراب عمال النظافة.
لقد كان يوم الأربعاء 22 آذار 2023، رمزاً للمأزق الذي تجد فرنسا نفسها فيه بعد عام من إعادة انتخاب الرجل اللطيف العبثي الذي ينهب فرنسا على رأس الجمهورية التي تجد نفسها في حالة يرثى لها منذ عشر سنوات.
ماكرون يرى أنه يفعل “ما هو ضروري”، وفقط ما هو ضروري، ولن يتنازل عن أي شيء، “لا للكسالى، ولا للمتشككين، ولا للمتطرفين”، وإلا فإنه سيعاني غضب رعاته من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والناتو الذين بالتأكيد لديهم ملفات كافية حوله لإفساد حياته إذا لم يطع أوامرهم، وهو يفعل “ما هو ضروري” بكلّ سرور لأنه يريد إثارة غضب الشعب الفرنسي. كل ما فعله هو تطبيق خريطة طريق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو بالقوة.
وأوضح الصحفي الفرنسي تيري ميسان في مقال بعنوان “فرنسا محجوبة لمدة 4 سنوات”، أن الأزمة التي تمرّ بها بلاده اليوم ليست حلقة أخرى في بلد مضطرب إلى الأبد، إنها أزمة نظام عميقة لن يتمّ حلها إلا ببداية مجتمع جديد. وستمر البلاد بعدة سنوات من الانسداد، قبل الشروع في تحول كامل، أي ثورة ستستمر جيلاً على الأقل، مضيفاً أن ماكرون خلق عمداً حالة من الجمود، وقسّم البلد إلى أثرياء وفقراء.
يوضحُ ميسان أن الحكومة لن تكون قادرة على اعتماد نص من قبل البرلمان، ولن يتمكن الفرنسيون بعد الآن من الاحتجاج دون وقوع قمع وحشي عليهم، كما حدث بالفعل مع السترات الصفراء. ويضيف ميسان أن هذه ليست المرة الأولى التي لاحظ فيها إضفاء الطابع “الإسرائيلي” على القوة الفرنسية: جنود يقومون بدوريات في الشوارع مسلحين بالبنادق، وعسكرة الشرطة، وقمع الشرطة، واختراق شركات الأمن والمراقبة، والتعسف، وتجاهل القانون، وازدواجية المعايير.
فرنسا تغرق في الفوضى والركود والتعسف، لكن الملك الاستعماري الصغير مسرور بنفسه، فكلما سادت الفوضى، كان النهب أسهل، ويبدو أن هذه هي السمة المميزة للحمقى والمتشائمين، فهم فخورون بما يجب أن يخجلوا منه أكثر من غيرهم!.