الغرب يرفض الاعتراف بهزيمته استراتيجياً
تقرير إخباري:
لا يختلف اثنان على أن الإدارة الأمريكية متورّطة حتى النخاع في العمل الإرهابي الذي استهدف أنابيب السيل الشمالي التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، حيث سبق للرئيس الأمريكي جو بايدن أن هدّد بإزالة هذه الأنابيب، كما لا يختلف أحد على أن دولاً مثل الدنمارك والنروج والسويد أيضاً متواطئة على هذا العمل الإرهابي، ولكن أن تضطرّ ألمانيا المتضرّر الأول من تفجير هذه الأنابيب إلى بلع لسانها عندما تأكد أن واشنطن تقف بالفعل خلف هذا الإرهاب، هذا بالفعل يدعو إلى التأمّل.
فأيّ درك هذا الذي وصل إليه حكام أوروبا حتى يجدوا أنفسهم مضطرّين للخضوع للابتزاز الأمريكي بعدم الإعلان عن نتائج التحقيقات التي توصّلوا إليها فيما يخص تفجيرات السيل الشمالي، علماً أن الأمر بذاته لا يحتاج إلى تحقيق، فاعترافات بايدن نفسها تكفي لتوجيه الاتهام، فما هو الأمر الذي دفع عضو البرلمان الأوروبي عن إيرلندا مايك والاس، إلى التأكيدكيد أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتعمّدان إخفاء الحقائق حول حادث تفجير خطوط أنابيب “السيل الشمالي”؟.
إن مشروع القرار الروسي تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الهجوم الإرهابي الذي استهدف خطوط أنابيب السيل الشمالي، في ظل رفض مجلس الأمن بدء تحقيق دولي في التخريب الحاصل، يوجّه بالفعل ضربة قوية للقانون الدولي، كما أنه في الوقت ذاته يثير مجموعة من علامات الاستفهام حول السبب الحقيقي الكامن وراء هذا الرفض، ولا نعتقد أن السبب فقط هو الإصرار على إنكار التورّط لأن ذلك بات معلوماً للكثير من دول العالم التي تراقب كل ما يحدث، فما هو السبب الحقيقي إذن؟.
في الحقيقة، مشكلة الغرب الجماعي الآن باتت مضاعفة في هذا الجانب، فمن جهة لا يريد الاعتراف بتورّطه بالتفجير حتى لا يمكّن روسيا من استخدام ذلك في إدانته بشكل آنيّ، ومن جهة أخرى وهي الأهم، لا يريد أن تفتضح صورته أمام دول العالم، وخاصة دول العالم الثالث التي اعتادت أن تتعامل مع الدول الأوروبية ضمن إطار الصورة النمطية التي زرعها الغرب في أذهانها، وبالتالي يخشى هذا الغرب أن يصبح عارياً أمام هذه الدول، ويفتضح أمره كصانع وراعٍ للإرهاب الدولي في آن معاً، وهو الدور الذي عمل طويلاً على تغطيته، ولكن الحادثة الآن جعلته مضطرّاً للوقوف في موقف المتهم.
ومن هنا قال والاس: “من الواضح أن التخريب كان عملاً إرهابياً، فلماذا لا تريد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للحقيقة أن تظهر، هذا مثير للاهتمام”.
وفي الحقيقة وقفت الدول الغربية مجتمعة خلف منع مجلس الأمن من تبنّي مشروع القرار الذي حصل على دعم كل من روسيا والصين والبرازيل فقط، في حين امتنع بقية أعضاء مجلس الأمن عن التصويت، وذلك ليس لأن التورّط الغربي في هذا الأمر ليس مفضوحاً، ولكن لأن هذا الغرب الجماعي مضطرّ للتواطؤ على إنكار منفّذ العمل الإرهابي الحقيقي لأنه لا يريد أن يمكّن روسيا من تحقيق نصر استراتيجي يكون بمنزلة اعتراف غربي واضح بانهيار النظام العالمي السابق وولادة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.
طلال ياسر الزعبي