مجلة البعث الأسبوعية

انتخابات تركيا و”لعبة الروليت”… حزب الشعوب الديمقراطي مفتاح الحسم

البعث الأسبوعية- علي اليوسف

بعد حسم اسم مرشح المعارضة لمواجهة رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 14 أيار المقبل، هل يحتفظ أردوغان بكرسيه؟. هذا السؤوال بات اليوم من أكبر أحجيات العام التي تعيشها تركيا. لذلك من الطبيعي أن تكون الانتخابات التركية الطبق السياسي الدولي الأدسم هذا العام لعدة أسباب منها الداخلية واحتدام المنافسة بين أردوغان والمعارضة، وخارجية تترقب فيها العديد من الدول نتائج الانتخابات لاعادة الاصطفافات والتحالفات على ضوء ما ستفرزه النتائج النهائية.

كل الأنظار تتجه إلى كمال كيليتشدار أوغلو، مرشح المعارضة، الذي لم يتم اختياره من المرة الأولى، مقابل أردوغان الذي يعرف كيف يحول الأمور السلبية لمصلحته. وما دامت حسمت الأسماء المنافسة، تظهر مؤشرات الحراك أن تركيا منقسمة، فالمدن الكبرى تدعم المعارضة بشكل أساسي، والمناطق الريفية تدعم أردوغان، وما دامت الكثافة السكانية تتركز في الأرياف والتي يعزز حضورها الرئيس التركي لأغراضه الانتخابية فمن المنطقي أن لا تحسم النتائج من الدورة الأولى، وبالتالي سيتم اللجوء الى الدورة الثانية.

يتمتع أردوغان، والسياسي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو بفرص متقاربة للفوز في السباق الرئاسي، هذا ما تقوله آخر استطلاعات الرأي، فبحسب استطلاع نشرت نتائجه صحيفة “الجمهورية”، هناك 56.8٪ من الناخبين مستعدون للتصويت لمرشح المعارضة، لكن استناداً إلى استطلاع أجراه حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان في صحيفة “الصباح”، أبدى 52٪ استعدادهم لتأييد الرئيس الحالي، لكن لم يتم تحديد النسبة التي يمكن أن يحصل عليها منافسه. لكن هذه الاستطلاعات والاستبيانات لا يمكن الركون إليها، لأن هذا النوع من الاستطلاعات التي تأتي في الفترة التي تسبق الانتخابات هي عادة تجريها الأحزاب والمؤسسات التابعة لها للتأثير في قرار الناخب ومنحه الثقة، فالصحف الموالية للحكومة تنشر النتائج الخاصة بها، كما تنشر صحف المعارضة نتائجها أيضاً.

حتى الآن هناك توازن معين بين أردوغان ومرشح المعارضة، ما يجعل الانتخابات المقبلة أشبه بـ “لعبة روليت”، فقد حددت جميع التيارات السياسية مواقفها في الحملة الانتخابية، لكن وحده حزب الشعوب الديمقراطي سيكون المفتاح لحسم النتائج في الانتخابات، فهو القوة الوحيدة الحرة نسبياً في التنافس الانتخابي القادم، لذا فإن أصواته ستقرر عملياً نتيجة السباق.

من هو كمال كيليتشدار أوغلو؟

بعد أن أعلن تحالف المعارضة السداسي ترشيح كمال كيليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، لخوض انتخابات 14 أيار الرئاسية، تم تسليط الأضواء على هذا السياسي “المشاكس” الساعي إلى هزيمة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، بعد عقدين أمضاهما في الحكم، فمن هو زعيم المعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو ؟.

قبل دخوله عالم السياسة، عمل أوغلو البالغ من العمر 74 عاماً في وزارة المالية، ثم ترأس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية لمعظم التسعينيات. من مواليد منطقة ناظمية في ولاية تونجلي وسط البلاد في عام 1948، ودرس في أكاديمية العلوم التجارية والاقتصاد في أنقرة، بدأ عمله السياسي في عام 1999 داخل الحزب اليساري الديمقراطي، قبيل أن ينتقل إلى حزب الشعب الجمهوري ويُنتخب نائباً في البرلمان عن الحزب في عام 2002، واستمر عضواً في البرلمان إلى حين توليه زعامة الحزب في أيار من عام 2010 خلفاً للزعيم السياسي الراحل دنيز بايكال.

أطلق عليه الإعلام التركي لقب “غاندي كمال” بسبب تشابه بسيط في المظهر مع الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي. وقد استحوذ على محبة الجمهور في عام 2017 عندما أطلق “مسيرة من أجل العدالة” لمسافة 450 كلم من أنقرة إلى اسطنبول بسبب اعتقال نائب برلماني من حزب الشعب الجمهوري. لاحقاً شكل تحالفاً بين حزب الشعب الجمهوري، والحزب الصالح، وحزب السعادة في الانتخابات العامة 2018، مما مهد الطريق لنجاحات في الانتخابات المحلية في العام التالي.

وفي أول ضربة لأردوغان كزعيم لحزب العدالة والتنمية، فاز حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى. أتى هذا الفوز بعد أن تسببت سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية، بما في ذلك خفض أسعار الفائدة في وقت تجاوز فيه التضخم 85 بالمئة ، في إرهاق الأسر وأثارت سلسلة من الانهيارات في العملة منذ 2018. وقد تساعده تلك الثغرة في الفوز مجدداً اليوم والقضاء على عهد أردوغان الذي بدأ مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة لأول مرة عام 2002.

وهنا تشير استطلاعات الرأي إلى أن التنافس سيكون محتدماً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، والتي ستحدد ليس فقط من يقود تركيا، وإنما كيف تُحكم وإلى أين يتجه اقتصادها، فقد أظهرت بعض تلك الاستطلاعات أن شعبية أردوغان ارتفعت منذ الصيف الماضي بفضل إجراءات من بينها زيادة الحد الأدنى للأجور، إلا أنها قد تراجعت بعد الزلزال المدمر الذي ضرب الجنوب التركي في السادس من شباط الماضي، حيث تبنى كمال كيليتشدار أوغلو خطاباً هجومياً ساعده على تعزيز قاعدته، وما يعزز الأمال أكثر هو اذا تمكن كمال كيليتشدار أوغلو من الحصول على  دعم حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أقوى حزب تركي، الذي يعارض بقوة سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان لقمعه الحزب وحظر أنشطته بقرار من المحكمة الدستورية التركية.

تأسس حزب الشعوب الديمقراطي عام 2021 كحزب يساري يدافع عن حقوق المضطهدين في تركيا بغض النظر عن انتماءاتهم، ويترأس هذا الحزب صلاح الدين دميرطاش مناصفة مع السياسية فيغان يوكسيك داغ. وعليه إن فرص نجاح كمال كيليتشدار أوغلو ستكون أكبر بكثير، لأن دعم حزب الشعوب الديمقراطي لتحالف الشعب في الانتخابات المحلية عام 2019 قاد إلى فوز المعارضة بكبرى بلديات المدن التركية، ولا سيما أنقرة وإسطنبول، وبالتالي يصبح من المحتمل تجاوز مرشح المعارضة عتبة 50 زائداً 1 في المائة للفوز بالمرحلة الأولى أو الثانية من الانتخابات الرئاسية بوجه أردوغان، فهل يفعلها أوغلو اللاعب الأساسي في السياسة التركية؟.