دراساتصحيفة البعث

قمة أمريكا الديمقراطية تكذبها الأرقام

هناء شروف 

كما فعل في أواخر عام 2021، يستعدّ البيت الأبيض لاستضافة ثاني ما يُسمّى بقمة الديمقراطية، نهاية الشهر الجاري، وهو حدث ليس قمة ولا يتعلق بالديمقراطية، بل محاولة صريحة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتلقين عقيدته للشركاء الرئيسيين ضد الدول التي تعتبرها منافسة.

تمّت دعوة قادة من 110 دولة وإقليم لحضور حدث 2021، وتمّ اختيار بعض الحضور مثل الرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو الذي أثار أعمال الشغب في 8 كانون الثاني في البرازيل التي هدفت إلى قلب انتخاب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا كرئيس للبرازيل، بينما رفض آخرون مثل قادة باكستان وجنوب إفريقيا الدعوة، في مواجهة السياسات الأمريكية التمييزية، وقرّر البعض الآخر قبول الدعوة بأدب لكنهم فضّلوا البقاء على الهامش. كان هذا هو الحال بالنسبة لقادة 17 من أصل 25 دولة مدعوة من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والذين شاركوا ولكنهم اختاروا عدم تقديم التزامات مكتوبة.

تستضيف واشنطن الآن عرضاً ثانياً، ولكن على الرغم من أن هذا الحدث قد يبدو أدائياً، إلا أنه في الواقع يأتي مع مخاطر جسيمة، حيث من خلال إعادة إحياء حقبة الحرب الباردة التي تسعى إلى تقسيم العالم إلى كتل متنافسة، فإن أحداثاً مثل “قمة الديمقراطية” لا تجمع البلدان معاً، بل يتمّ التمييز بينها.

المأساة هنا ذات شقين، فمن ناحية تضع العالم في مسار تصادمي مع التهديدات الجماعية التي لا يمكن أن يواجهها أي بلد أو منطقة أو كتلة بمفردها. وكما قال الرئيس شي جين بينغ في تقريره إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني: “دخل العالم فترة جديدة من الاضطراب والتغيير، نحن نواجه تحديات مشتركة مثل تغيّر المناخ والأوبئة وشبح الركود العالمي، وبالتالي نتوقع أن تقوم قوة عظمى مثل الولايات المتحدة بتعزيز الثقة بمسؤولية وتنحية الاختلافات جانباً. لكن بدلاً من ذلك نرى الولايات المتحدة تضاعف من موقفها في رسم الخطوط الأيديولوجية التي تقضي على أي أمل في الحوار”.

من ناحية أخرى، “القمة من أجل الديمقراطية” ليست أكثر من ستار دخان لصرف انتباه الجمهور عن فشل الإدارة الأمريكية في معالجة التحديات الخطيرة التي تواجه الديمقراطية الأمريكية، وخاصةً التهديد الحقيقي الذي يأتي من الداخل.

تظهر الاستطلاعات الأخيرة التي أجراها مركز “بيو” أن الديمقراطية الأمريكية في أزمة بالفعل. ففي كانون الأول 2022، قال 62 في المائة من المشاركين الأمريكيين إنهم غير راضين عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في بلادهم، وهو ثالث أعلى رقم لعدم الرضا بين 19 دولة معظمها من الدول المتقدمة. وفي استطلاع آخر أجري العام الماضي، قال 20 في المائة فقط يثقون بأن الحكومة تفعل الصواب دائماً في معظم الأوقات، هذا الشعور هو انعكاس لسنوات من سوء الإدارة من قبل النخب الأمريكية. ومن خلال الأرقام، يتبيّن أن متوسط العمر في الولايات المتحدة بات الأدنى بين دول مجموعة السبع، مع انخفاض كبير على مدى السنوات الأربع الماضية، كما شهدت الولايات المتحدة 100 عملية إطلاق نار جماعي بحلول الأسبوع الأول من آذار الجاري من هذا العام محطمة الرقم القياسي السابق، وأفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي مؤخراً أن جرائم الكراهية آخذة في الازدياد في الولايات المتحدة مع 79 في المائة فقط من مخافر الشرطة التي أبلغت عن البيانات، فقد شهد عام 2021 نحو 9065 حالة من هذا النوع من الجرائم بزيادة 11.6 في المائة على أساس سنوي مع استهداف معظم الضحايا بسبب عرقهم، وهذه مجرد أمثلة توضيحية قليلة للظروف الأليمة التي يعيش فيها المواطن الأمريكي العادي.