منيرة القهوجي.. الأدب من أجل الأدب مرفوض
أمينة عباس
لا تكاد الأديبة الفلسطينية الأردنية منيرة القهوجي تغادر دمشق حتى تعود إليها، فسورية بالنسبة لها هي الوطن الأرحب الذي دافعت عنه في أحلك ظروف الحرب، ودفعت ثمن ذلك عدة محاولات إيذاء جسدي لها، لكنها بقيت مصرة على مواقفها، وظلت كلمتها حرة وصادقة، وفي زيارتها الأخيرة لدمشق التقيناها وكان الحوار التالي:
*لم تنقطعي عن زيارة سورية حتى في فترة الحرب، فما سبب هذا الإصرار لديك؟
**دأبت على زيارة سورية في فترة الحرب، واعتبر كثيرون ذلك مغامرة في ظل محاولات إيذاء جسدي تعرضت لها نتيجة لذلك، إلا أن ذلك لم يثنِني عن قول كلمة حق بما كان يجري في سورية، وأرى أن تصرّف من حاول الاعتداء عليّ كان أمراً طبيعيّاً لأن هؤلاء لا يفهمون إلا لغة القتل، أما أنا فلم أكن إلا كما أريد، حيث أن الأدب من أجل الأدب مرفوض لدي ما دامت الشعوب تناضل من أجل قضاياها.
*كيف كانت بداياتك في الكتابة؟
**ولدت في مدينة طبريا في فلسطين عام 1947 على أصوات طلقات المدافع، حيث كانت رحى الحرب تدور دفاعاً عن فلسطين، وعند بلوغي سنتي الأولى اشتدت المعاركوأصيب والدي وعمي واستشهد ابن عمي، وسقطت طبريا، وفي الأردن التي توجه أهلي إليها طلباً للأمان وعيت وأنا الوحيدة لأهلي على مكتبة كبيرة لوالدي ضمت مختلف أنواع الكتب، فكان الكتاب أخي وأختي، وفي سن مبكرة امتدت يدي إليها، فكنت قارئة نهمة لـ”ألف ليلة وليلة” و”الزير سالم” والقصص الهلالية، وفي الصف السادس قرأت للكتّاب الوجوديين أمثال جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار وفرانسواز ساغان، ثم قرأت كتباً لكتّاب عرب كفدوى طوقان وغادة السمّان، وفي هذه السن المبكرة كتبت قصيدة لجرش المدينة المسيّجة بالبساتين والشّلالات والبرك والآثار، وقد أذاعتها إذاعة عمّان في أحد برامجها، وأتيح لي المجال للنشر في مجلاّت عربية كبيرة ومعروفة مثل “الفكر المعاصر” و”أقلام” وكتبت الصحف المصرية عني وعن قصائدي، وقد ألقيت من إذاعة صوت العرب قصيدتي “حرب وسلام” عام 1967 ومن إذاعة القاهرة قصيدتي “أحلام”.
*أي موضوعات كانت تشغلك حينها؟
**فتحت عينيّ على جراحات والدي وصور الشهداء في بيتنا وحكايات عن الوطن وأبطاله أمثال فوزي القاوقجي الذي كان رفيق والدي في السلاح، فكان من المستحيل أن أتجاوز ذلك في كتاباتي رغم صغر سني، فكانت كتاباتي عن هؤلاء، وما زالت.
*هل أدى المثقف العربي دوره اتجاه قضاياه برأيك؟
**بقيت القضية الفلسطينية خضراء حية من خلال كتابات محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان وغيرهم، وقد تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل عبر أشعارهم وكتاباتهم، لهذا أرى أن اتهام المثقف العربي بالتقاعس عن أداء دوره الرياديّ في ظل الظروف الحالية التي يتعرض لها الوطن العربيّ أمر غير صحيح بالعموم، وهناك أدباء مازالوا قابضين على جمر القضايا الوطنية، ومنهم من دفع حياته ثمناً لذلك، فلم يساوموا ولم يبيعوا، وإن كنت لا أنكر وجود ضعاف نفوس صارت أصواتهم في جيوبهم، مع تأكيدي على أن الجميع يجب أن يعرفوا أنه لن ينتصر أي شعب إلا إذا كان المثقف إمامه إيماناً مني أن الكلمة هي الممهدة لأية ثورة أو حرب أو انتصار، وأن الإنسان العربيّ مستهدَف في هويته وتاريخه وحاضره ومستقبله وحياته، ولكن وعلى الرغم من الهجمة الشرسة على العالم العربي من قِبل أميركا الحاقدة عليه والطامعة بخيراته وحضارته، وعلى الرغم من قسوة الهجمات الشرسة التي تعرّض لها الوطن العربيّ من أيام التتار وحتى الآن إلا أنني مطمئنة على الثقافة العربية المحصنة والحامية لنفسها نظراً لعراقتها وتاريخها وغناها وإرثهاالكبير الذي لا يمكن لأحد أن يزيله.
*لماذا توجهتِ في كتاباتك إلى الأطفال والفتيان أيضاً؟
**كتبت للأطفال لأنهم اللبنة الأولى في المجتمع، وكنت حريصة على أن أختتم أي مجموعة من المجموعات الموجهة للطفل بتعريفه بإحدى البلدات الفلسطينية، كما كنت حريصة في كتاباتي لهم على أن يعرفوا من خلال ما يقرؤونه مَن هو عدوهم الذي اغتصب وطنهم وما هي المؤامرات التي تحاك ضده وأنهم مستهدفون بعِلْمهم وثقافتهم وذلك حتى يكملوا الطريق في حمل رسالة الوطن الذي يجب ألا يغيب عن ذهنهم وإن ابتعدوا عنه جغرافياً، وأرى أن مهمة الأديب هي أن يضع هذا الجيل على السكة الصحيحة، خاصة وأن المناهج الدراسية مقصّرة بحق تاريخنا ونضالنا وتبيان حقائق الأمور.
*ماذا عن صعوبة الكتابة للأطفال؟
**لا يستطيع الكاتب أن يكتب للطفل إلا إذا كان قادراً على الدخول إلى عالمه.. بعد تخرجي من الجامعة تسلمت إدارة إحدى المدارس، وكنت حريصة حينها على الإشراف على مكتبتها ومرافقة الطلاب إليها لمعرفة ميولهم وماذا يحبون من الكتب.. إذاً على الكاتب أن يعيش مع الأطفال لمعرفة ميولهم وماذا يريدون، وأن يعرف أيضاً ماذا يريد منهم، ومن يبتعد عن عالم الأطفال لا يمكنه أن يكتب كتابات تغريهم، كما على الكاتب أن يرتقي إلى مستوى أطفالنا كي ينتشلهم من عالم التكنولوجيا التي استباحتهم وأثرت عليهم سلباًوشتتت وعيهم.
*لمن تتوجهين بكتاباتك؟
**للإنسان الواعي المحب لأرضه ووطنه، وأكتب للأجيال الحالية التي يجب أن تحمل الهم الذي حملناه لتستعيد الأرض والوطن.
*هل من جدوى من الكتابة؟ وهل أثرت كتاباتك على القارئ؟
**من خلال الكتابة عبّرتُ عن ذاتي وهمومي وهموم وطني وآلامه، وأؤمن أن كل كلمة كتبتُها سيكون لها أثر كبير على القارئ، لذلك سأستمر في الكتابة عن قضايانا الكبيرة والصغيرة لأن الأدب الحر والواعي سيصل في النهاية.
*كتبتِ القصة والرواية والشعر والدراسات، فكيف تفسرين هذا التنوع؟
**رغبتُ أن أتوجه للجميع بكل الطرق المغرية، وقد سعيت إلى تحقيق التوازن بين المضمون والشكل تجنباً لعدم طغيان أحدهما على الآخر، وفي الشعر ملت للحر منه الذي يميل إليه القارئ اليوم مع أنني قارئة جيدة للشعر العمودي.
*ماذا تقولين لمن يعتبر الأدب مجرد ترف؟
**أنا أؤمن أن الكاتب لا يمكن أن يعزل نفسه وأدبه عما يحدث في مجتمعه، بل هو مطالَب بأن يسخّر قلمه لخدمة هذا المجتمع وقضاياه وإلا فما جدوى ما يكتبه؟ لذلك لم تكن الكتابة بالنسبة لي في يوم من الأيام ترفاً وإنما رسالة ووسيلة للتعبير عن مواقفي الوطنية.
*هل تفكرين بكتابة سيرتك الذاتية؟
**بدأت في كتابتها، وهي سيرة طويلة وغنية وتحتاج إلى وقت للانتهاء منها.
*ما جديدك اليوم؟
**أضع اللمسات الأخيرة على ديوان شعريّ، معظم قصائده تدور حول فلسطين وسورية والجندي السوري الذي يدافع عن أرضه ووطنه بكل بسالة وشجاعة وعن الشعب السوري الصامد.
منيرة القهوجي
مواليد 1948 في مدينة طبريا الفلسطينية، ترأست تحرير مجلة “طبريا” الثقافية الأردنية، عضو في رابطة الكتاب العرب والكتّاب الأردنيين والكتّاب الفلسطينيين، صدر لها عشرة مؤلفات من مجموعات قصصية وروايات للفتيات والفتيان وديوان شعر، كما نشر لها من القصص والمقالات الأدبية والسياسية في العديد من المجلات والصحف العربية.
من كتبها للأطفال: “أطفال القدس،الذي باع رأسه سنابل لحقول فلسطين، لن أرحل” وكتبت للكبار مجموعات قصصية منها :الشيخ كنعان، نافذتان على الوطن، العدل الأعرج. صدر لها في الرواية: في انتظار الورد.