ملامح حمصية في شعر مظهر الحجي
آصف ابراهيم
احتلت مدينة حمص مكانة هامة في عيون شعرائها وكان حضورها طاغياً في قصائد كثيرة لشعراء مقيمين ومغتربين، ولعل نسيب عريضة كان أحد أبرز شعراء الاغتراب استحضاراً لمدينته التي أحبها، وتوقف الناقد عطية مسوح عند الشاعر مظهر الحجي في محاضرة ألقاها أمس في مقر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب، وبدأها بمقدمة مستفيضة عن علاقة الإنسان بالمكان وأثر الحنين إلى مرابع الصبا في نفسية الإنسان، فحضور المكان في الشعر العربي قديمه وحديثه كان قوياً وفاعلاً في بنية القصيدة وخاصة في أبعادها العاطفية، ولعل المقدمات الطللية في الشعر القديم كانت تشير إلى أهمية المكان على بساطته في نفوس الشعراء.
وتختلف العاطفة التي يتركها المكان عبر الزمن، ففي الشعر القديم كان الوقوف على الأطلال يثير الحزن بصفة عامة، حتى أن المتنبي الذي كان يزدري الوقوف على الأطلال ومناجاتها وتخليه عنها، يعود إليها في القصيدة التي ألقاها في لقائه الأول مع سيف الدولة.
أما عن مدينة حمص التي عاشت في ضمائر الشعراء عبر الأجيال، ومنهم شاعرنا مظهر الحجي الذي يكفي أن ترى توقيعه تحت القصيدة حتى تعرف مدى حبه الكامن والمعلن لمدينته التي لايراها إلا مدينة كريمة ترفض الشر والذل وتأبى أن تكون ظالمة أو مظلومة، واستعرض ذلك في دواوين ثلاثة هي الوراق، ومشاهد، والمتيم، وفي قصائد هذه الدواوين فكر وسياسة وتراث وحب وحاضر مكاني تمتزج كلها في عجينة واحدة يكاد القارئ أن يراها في كل قصيدة ،كما نرى الترابط بين الأنثى والمكان، والأنثى لديه غير محددة الملامح ولا شكل ثابت لها.
جاء ديوان الوراق عصارة شعرية لزمن الخيبات التي مرت بنا، فهو الشاهد على العصر، وشاهد على تغيرات اعترت ملامح مدينة بما تمثله من عادات وتقاليد وثقافة شعبية وبعض أشخاصها الذين يلفتون النظر، كما يستنتج أنَّ حمص والشاعر تبادلا العطاء والتأثير، وهذا ما ركزت عليها المحاضرة من خلال النماذج والمقتطفات من شعر الشاعر.
وفي “المتيم” يجمع الحجي بين الأصالة والحداثة مع التركيز على العاطفة، يتضمن هذا الديوان تداعيات لذكريات قديمة مؤثرة في وجدانه وفي أحلامه كقوله في قصيدة “عاشق الميماس”
رأت فيك الرؤى خضراء ملهمة
لم تحن هاماً ولم تسترفد المننا
وكنت تبصر ما حار الدليل به
فكنت أحكمنا بل كنت أبصرنا.
وفي تجلّياته وعواطفه الشعرية تظهر آلام الغربة وأوجاعها وما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات على نفس الإنسان فيقول في قصيدة “غريب”:
لمَ يا غريب وقفت في وسط الطريق
وفاض جمر القبرات على لسانك
أين الطريق إلى بلادي، هذه
ليست بلاداً كنت تعرفها صغيرا.
ثم تغلب العواطف على الحالة النفسية للشاعر فيكتب نصاً بعنوان “طائر الشوق” يعبر فيه عن مكنوناته الداخلية فيقول: هذه الدرب ليس تفضي إليه.. أينما سرت فالدروب تميد كلما جزت نحوهم مستميتا،مات درب وصاح درب جديد.
ولد مظهر رشيد الحجي عام 1946 في حمص ونشأ فيها، ودرس في مدارسها، التحق بجامعة دمشق ونال شهادة الإجازة في اللغة العربية وآدابها 1969، والدبلوم العامة في التربية 1970.
عمل مدرّساً للغة العربية، كما عمل موجهاً اختصاصياً للغة العربية، وهو حالياً عضو في رابطة الخريجين الجامعيين، واتحاد الكتاب العرب ولجنة التأليف والمناهج في وزارة التربية السورية.
وجدير بالذكر أنّ مظهر الحجيّ من شعراء سورية البارزين وتجربته تمتد نحو ستة عقود أغنى فيها الشعر السوريّ والعربي، بإضافات هامّة، كما أضاف إلى المكتبة العربية عدّة كتب في البحث والدراسة الأدبيّة، بدأت علاقته بالأدب مبكرة، فكتب القصة القصيرة والقصيدة العمودية ثم اتجه إلى الشعر وحده. شارك في العديد من الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية، نشر شعره في المجلات والصحف السورية والعربية، ومن أهم مؤلفاته “النورس والرحيل بين السيف والقلب”، 1979 و”نقوش بالجلّنار” 1987، و”حكاية عشق ممنوع”1998.