دراساتصحيفة البعث

تصعيد لا تحمد عقباه

عناية ناصر

لم يتوقف الغرب عن محاولات الضغط على روسيا عندما يتعلق الأمر بقضية الحرب الروسية الأوكرانية، وكلما زاد الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على روسيا، كان الهجوم الروسي ورد الفعل  المضاد أكبر.

انتقد حلف الناتو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما وصفه الخطاب النووي “الخطير وغير المسؤول”، وذلك بعد يوم من إعلان بوتين أنه يعتزم نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا. وفي نفس اليوم، هدد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من خلال تغريدة على تويتر بأن “الاتحاد الأوروبي على استعداد للرد بفرض مزيد من العقوبات”. أما بالنسبة للتصعيد الأخير، فكان سببه قرار المملكة المتحدة غير المسؤول بتقديم ذخيرة اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، فمن ناحية، تجاوزت ذخائر اليورانيوم المنضب بالفعل الخط الأحمر الذي يمكن لروسيا قبوله أو السكوت عنه. ومن ناحية أخرى، يُظهر هذا التصعيد أن الدول الغربية مثل المملكة المتحدة ليس لديها أية عائق من إرسال وتقديم الأسلحة إلى أوكرانيا مهما كان نوعها أو خطورتها. ورداً على ذلك، اختارت روسيا نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.

وفي الرد المضاد على ذلك، اتهم الناتو روسيا بخرق التزاماتها الخاصة بالحد من التسلح، لكن في الواقع هو أنه لطالما كانت الولايات المتحدة المنتهك لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وفي هذا السياق قال سونغ تشونغ بينغ، الخبير العسكري والمعلق التلفزيوني:”إن الولايات المتحدة نشرت أسلحة نووية تكتيكية في الدول الأوروبية، بما في ذلك بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتركيا، مما يعني أن الولايات المتحدة قد نشرت منذ فترة طويلة أسلحتها النووية التكتيكية على عتبة روسيا، الأمر الذي يشكل تهديداً كبيراً على الأمن القومي الروسي”.

وبناء على ذلك فإن رد فعل روسيا لا يستهدف هذه المرة تحرك المملكة المتحدة فحسب، بل الولايات المتحدة أيضاً، لأن نشر روسيا لأسلحتها النووية التكتيكية في بيلاروسيا ليس فقط رداً على استفزازات الناتو السابقة والحالية، ولكنه يهدف أيضاً إلى ردع الاستفزازات الأمريكية المحتملة، والتعامل مع ما هو على وشك الحدوث.

وفي هذا الشأن، تعد بيلاروسيا خياراً رئيسياً لروسيا، حيث أن موقعها الجغرافي مثالي، فهي ليست بعيدة عن بولندا وألمانيا ودول البلطيق وحتى دول الشمال، وفي حال تم  نشر أسلحة نووية تكتيكية هناك، فسيكون لها تأثير رادع استراتيجي هائل على بعض دول الناتو المجاورة التي تقع بالقرب من روسيا.

ومع ذلك، سواء فرضت الولايات المتحدة وحلف الناتو عقوبات مختلفة على روسيا أو زودتا أوكرانيا بالأسلحة بشكل مستمر، فإنهما في الواقع يتجهان نحو اتجاه أكثر خطورة، ولن يساعد ذلك في حل قضية أوكرانيا، بل سيؤدي إلى حلقة مفرغة، وإلى تصعيد سباق التسلح النووي.

وفي سياق متصل أشار وانغ شو، الأستاذ بكلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الخارجية، إلى أنه مع العلم أن الوضع قد يزداد سوءاً، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تقوم بمحاولات الضغط على روسيا بهدف الحفاظ على نظامها المهيمن. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحاول تطبيق نفس تكتيكات الضغط الشديد ضد الاتحاد السوفييتي التي استخدمتها خلال الحرب الباردة.

وفي هذا الإطار تعمل قوى السلام على التوسط في الصراع الأوكراني الروسي، إلا أن محاولاتها غير كافية نسبياً. كما وعملت الولايات المتحدة على اختطاف دولاً أوروبية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، وحتى دول مثل اليابان بذلت جهوداً كبيرة لتقديم المساعدة لأوكرانيا، وكل هذا خدمة لمصالح الولايات المتحدة، التي تهدف إلى إجبار الدول الأوروبية، وحتى دول المحيطين الهندي والهادئ، على مساعدة الولايات المتحدة في مواجهة روسيا ومحاولة إخضاعها.

وبما أن هذا الهدف لم يتحقق، فإن واشنطن لا تريد السلام الآن. كما أنها لا تريد أن ترى انتصاراً لروسيا في ساحة المعركة الأوكرانية، فإذا خسرت أوكرانيا فهذا يعني خسارة الناتو، ما يعني أيضاً أن الولايات المتحدة ستخسر قيادتها وهيمنتها العالمية، وهو ثمن لا تستطيع تحمله.

ولذلك، عندما اقترحت الصين اقتراح سلام كامل ومنهجي وديالكتيكي من 12 نقطة، والذي يأخذ في الاعتبار جميع الجوانب، كانت الولايات المتحدة من بين أول الرافضين لذلك الاقتراح، الأمر الذي  يظهر أنها لا تريد السلام.

إن الصراع بين روسيا وأوكرانيا هو “حرب بالوكالة” فرضتها الولايات المتحدة على أوروبا، وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من التوصل إلى تسوية، فلن يكون هناك سلام بين روسيا وأوكرانيا، وفي حال استمرار الصراع، فلن تتضرر روسيا وأوكرانيا فحسب، بل ستزداد معضلة أوروبا الأمنية سوءاً.