“العربجي”.. الصراع والحب في بيئة افتراضية
ملده شويكاني
آهات الشموع المحترقة كانت إحدى الركائز التي اعتمد عليها إيلي الصفدي، المخرج الفني المشرف على الديكور العام في مسلسل “العربجي”، بتوقيع المخرج سيف الدين سبيعي، أما السيناريو فمشترك بين عثمان جحا ومؤيد النابلسي.
وقد تميّز بتأثير الصورة البصرية على المشاهد ابتداء من منزل “درية خانم” الكبير، النجمة نادين خوري، الأشبه بالقصر بكلّ ما يحتويه من ستائر وأثاث فاخر “ستيل ذهبي” وصمديات إلى تفاصيل الحارة، إلى ناعورة المياه الصغيرة التي شغلت حيزاً فيها، لتدلّ جميعها على بيئة افتراضية لمرحلة تاريخية قديمة تعود إلى 1800 وما بعدها، استمدت ملامحها من البيئة الدمشقية، ولاسيما أسماء العائلات العريقة (النشواتي والجوخدار)، إلا أنها لم تحدّد بإطارها وهويتها وخصوصيتها، وبدا هذا باختيار الأزياء ولاسيما العباءات.
وقد تكاملت جمالية الديكور مع الأداء اللافت لنجوم الدراما سلوم حداد ونادين وعلي كريم وميلاد يوسف مع تألق البطل باسم ياخور والنجمة ديمة قندلفت التي برعت بالدراما العربية والمحلية، والحضور القوي للشاب الوسيم فارس ياغي بعد مشاركته بالدراما العربية، إضافة إلى الكثير من الشخصيات المساندة والتي كان لها دور بتحريك الأحداث.
زرع الفتنة
يدور العمل حول الصراع بين الخير والشر مثل الأعمال التقليدية، إلا أن الصراع انحسر بين العم سلوم حداد “أبو حمزة” وأبناء أخيه المتوفى حول المال والسلطة وزعامة الحارة وارتداء العباءة التي ترمز إلى السيادة (كبير الحارة)، وفي الدائرة الأضيق عمل على زرع الفتنة بين الأخوين، “نوري” (حسام الشاه)، و”حسن” (فارس ياغي) محاولاً التفريق بينهما بإثارة الغيرة والتمييز بمعاملة الأم التي تميل لحسن كونه الأقرب إلى صفات والده الكريم المعطاء.
إخلاص العربجي
ارتبط المسلسل بشخصية البطل العربجي “عبده”، الذي أدّى دوره النجم باسم ياخور، والعربجي مهنة مثل كلّ المهن التي كانت سائدة آنذاك تبعاً لتفاصيل البيئة الزمانية والمكانية، ويتصف بالقوة والاعتداد بالذات يساند المظلومين ويمثل الخير في قطبي الصراع الدائر بين الخير والشر، حمل في قلبه المتعب الكثير من الحزن لظلمه من قبل “أبو حمزة” الذي يريده أن يكون من رجاله ويسرّب معلومات عن أموال أخيه “بدك ياني عوايني!؟”، فيرد أبو حمزة: “أنا بسميها شطارة”.. من هنا انتشر النار بالهشيم وأصبح “أبو حمزة” يدبر المكائد والتهم لـ عبده المقرب من أولاد أخيه بعد وفاته وخاصة الابن الثاني “حسن”.
“عبده” لم يرضخ وإن أجبرته الشدة الرضوخ له، ولاسيما بالمكيدة المدبرة لابنته، إلا أنه سينتقم ويشفي غليله منه.
شخصية تعمل لمصلحتها
وفي الطرف الآخر تشدّ الأنظار الرائعة ديمة قندلفت “بدور” الداية التي ظهرت بكاركتر مختلف وروح مغايرة لشخصية الداية المألوفة بأعمال البيئة الشامية من حيث حركاتها وسلوكياتها وطريقة كلامها، وتتصف شخصيتها بكثير من التمرد والطموح الذي يجعلها تعمل لمصلحتها بالدرجة الأولى، فهي المقربة من “درية خانم”، وحافظة أسرارها، والمشرفة على مرض “زمرد” ابنة درية التي رسمت لها الأقدار أن تكون خطيبة “حمزة” ابن عمها (ميلاد يوسف) كأي زواج تقليدي يضمن الحفاظ على مكانة عائلة النشواتي دون أية مشاعر بينهما، إلا أن عمل “بدور” مع درية وتنفيذ رغباتها لم يشفع لها أن تحب “نوري” ابن درية الأكبر للفوارق الطبقية والاجتماعية التي واجهتها بها “درية” بقسوة، ما زاد من دافع التمرد والانتقام الذي ستكشفه الأحداث في الحلقات القادمة، ومن زاوية أخرى ستدفع الثمن لاشتراكها بخطوط المؤامرة المدبرة لابنة عبده.
تغيير مصائر الشخصيات
ويتشعّب العمل إلى زوايا متعدّدة تتفرع عنها حكايات صراع وحب وقسوة، تنسجها بحبكة محكمة كاميرا سيف الدين سبيعي ضمن فضاء الحلقة التي تجمع بين مشاهد متداخلة لهذه الحكايات، ولا تقف عند مسار واحد، فتتنوع الشخصيات مثل شخصية “شومان” محمد قنوع أحد رجال العم المتسلط “أبو حمزة” وبدا بكاركتر غيّر من شكّله، وكان له دور بالمؤامرة التي أُحيكت ضد ابنة “عبده”.
وحكاية “بلقيس” (روعة ياسين) التي تدافع عن حقها وتطالب بدفع إيجار الوكالة التي ورثتها عن جدها وأبيها لصناعة النول وقماش الأغباني إحدى المهن الدمشقية التراثية الشهيرة، ويساندها عبده.
وحكاية “بديعة” (روبين عيسى) مساعدة “بدور”، و”أم حمزة” (إيمان عبد العزيز)، وستكشف الأحداث المتصاعدة عن تطور ردود فعل الشخصيات وتغيير مصائرها.
يحظى مسلسل “العربجي” بمتابعة كبيرة ولاسيما من قبل محبي باسم ياخور الذي يشدّ الأنظار للبطل الأوحد رغم البطولة الجماعية، ومن جهة أخرى لشخصية المخرج سيف الدين سبيعي الذي قدّم بصوته العمل “هذه الأحداث لا تنتمي لزمان ومكان، لكن ربما تحدث في أي زمان ومكان”، ويحظى تاريخه الفني بأعمال رائعة استحوذت على إعجاب الجمهور.