“الربيع الصهيوني” بدأت ملامحه بالظهور
طلال ياسر الزعبي:
يبدو بالفعل أن الكيان الإسرائيلي يعيش أيّامه الأخيرة، ليس فقط لأنه فقَد دوره الوظيفي في المنطقة بوصفه قاعدة متقدّمة للإمبريالية الغربية وللصهيونية العالمية، بل لأن الوصفة الصهيونية لم تعُد ذات قيمة أو أهمية على مستوى العالم.
فأوكرانيا التي أُريد لها أن تكون قاعدة أخرى للصهيونية بغطاء نازي مرة أخرى، يتم من خلالها هزيمة روسيا استراتيجياً واستكمال سيطرة الغرب على العالم بعد ذلك، أصبحت الآن تترنّح، هي والغرب الذي استخدمها، تحت ضربات الجيش الروسي لمنظومة حلف شمال الأطلسي العسكرية التي تحارب الجيش الروسي فعلياً على الأرض، وذلك باعتراف أغلب المحللين والسياسيين الغربيين.
وليس أدلّ على فكرة الخراب القادم على “إسرائيل” من مسألة الهجرة العكسية التي باتت تؤرّق قادة الكيان الذين باتوا يشعرون، ولأوّل مرة منذ إعلان قيام هذا الكيان، أن “دولتهم” في طريقها إلى التدمير الذاتي، حيث كثرت في أدبياتهم الأحاديث عن “الحرب الأهلية”، ولم تعُد غريبة التصريحات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون حول ذلك بين الفينة والأخرى، بل إن حديث الشارع الإسرائيلي ذاته بات يحوم حول الطريقة التي يتم من خلالها الهروب من الأراضي المحتلة إلى الوطن الجديد، وليس أوكرانيا بطبيعة الحال لأنها لم تعُد صالحة أصلاً لإقامتهم، فضلاً عن أنه لم يعُد هناك ما يغري اليهود في السفر إلى فلسطين، وذلك أن حديث نهاية العالم “هرمجدون” بات هو الطاغي على جميع أحاديثهم.
ومن هنا ليس غريباً أن يحاول رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني الهروب من أزماته الداخلية عبر تصديرها إلى الخارج، فتارة يحاول اتهام المقاومة في لبنان بخرق السياج الحدودي محاولاً افتعال أزمة يصدّر من خلالها أزمته، وتارة أخرى يتجه نحو قطاع غزة المحاصر لصرف نظر الشارع بعدوانه عليه، أو يهاجم مخيّمات الفلسطينيين في الضفة الغربية ممعناً في مجازره هناك، وأحياناً أخرى يعمد إلى قصف أهداف وهمية داخل الأراضي السورية، ظنّاً منه أنه بذلك يمكن أن يحرّك الشارع الإسرائيلي نحو الخارج، وبالتالي يُبعد شبح الحرب الأهلية المطلّة برأسها على كيانه. ومن هنا جاء بيان الخارجية السورية حول الاعتداء الصهيوني الأخير على محيط العاصمة دمشق، ليؤكّد أن سورية لن تكون أداة لإخراج حكومة نتنياهو من المأزق الوجودي الذي وصلت إليه، وذلك بتأكيده أن هذا العدوان هو استمرار للنهج الفاشي تجاه شعوب ودول المنطقة، وإن كان في هذه المرحلة بالتحديد يشكّل محاولة للهروب من التفتّت الداخلي الذي يشهده هذا الكيان.
وأيّاً يكن من أمر هذا العدوان، ومن الأهداف المبتغاة من ورائه، فإن قادة الاحتلال لن يستطيعوا أبداً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لأن موعد الرحيل قد أزِف بالفعل، وعليهم أن يقوموا بجمع أمتعتهم والخروج من فلسطين المحتلة كما دخلوها أوّل مرّة على ظهر السفن النازية والصهيونية، قبل أن تدركهم أيدي المقاومة في المنطقة، لأن كل المؤشرات تؤكّد أن “الخراب الثالث” الموعود قادمٌ لا محالة، وأنه بات الآن أقرب من أيّ وقت مضى، وليس ما يحدث الآن في الداخل الصهيوني، إلا انعكاساً واضحاً لـ “الربيع الصهيوني” الذي بدأت ملامحه بالظهور بشكل واضح.