العودة إلى الطبيعة في ظروف الحرب والحصار وارتفاع تكاليف المعيشة.. كيف تعيش في حالة الاكتفاء الذاتي؟
“البعث الأسبوعية” ــ لينا عدره
هل يمكن لنا أن نعيش مكتفين ذاتيا في حياتنا؟ بالنسبة للكثيرين، يعني العيش في الاكتفاء الذاتي تحقيق حلم الحياة. وفي الواقع، لم يكن ذلك أكثر صوابا مما هو عليه اليوم، فقد جعلت التوترات العالمية، وكورونا، والحرب، والحصار الاقتصادي، وارتفاع تكاليف المعيشة، حياتنا معقدة ومرهقة ومكلفة. لذلك، ليس مفاجئا رؤية أشخاص عديدين يفكرون في العيش مكتفين ذاتيا. وفي الحقيقة، لا يتردد الكثير من الناس في الإمساك بزمام المبادرة، والمخاطرة بتغيير نمط حياتهم، من خلال الاستغناء عن الأسواق، والاكتفاء الذاتي من الماء، وربما حتى إنتاج الكهرباء الخاصة بهم. لكن كيف تعيش في الاكتفاء الذاتي؟
عندما نتحدث عن فكرة الاكتفاء الذاتي، فإننا نشير عموما إلى العيش المنفصل عن الآخرين. لكن البعض يفهمه أيضا على أنه استقلال تام عن أي اتجاه أو قواعد وأنظمة. وفي الواقع، لا يعني العيش في حالة الاكتفاء الذاتي الاعتزال بنفسك عن العالم، ولا تجنب الناس، أو قطع الروابط مع المجتمع وقواعده. وعلى العكس، فهو يتطلب تغيير العيد من السلوكيات السلبية، وتعلم العديد من المهارات، ويحقق العديد من المزايا، فما هي مزايا العيش في حالة الاكتفاء الذاتي؟
- التمتع بالحرية الكاملة تقريبا
لأنك إذا كنت تنتج بعضا من طعامك بنفسك، وفي حديقتك الخاصة، وتنتج الكهرباء الخاصة بك، فأنت لن تعتمد بعد ذلك على الدورة الاقتصادية.
- توفير المال
يعد شراء الطعام الطازج باستمرار من السوق أو من السوبر ماركت أكثر تكلفة على المدى الطويل من مجرد الذهاب إلى حديقتك الخاصة.
وقبل كل شيء، عندما يتعلق الأمر بتوليد الطاقة الخاص بك، فقد تحتاج إلى استثمار المزيد من المال في البداية، ولكن تحقيق الاكتفاء الذاتي دائما ما يؤتي ثماره على المدى الطويل بكل الطرق.
- تجنب الإفراط في الاستهلاك
عادة ما يتسبب الانتقال إلى العيش المستقل في زيادة ما يمكن أن نسميه بـ “التخلي الطوعي”. فأنت
كلما أردت أن تعيش في الاكتفاء الذاتي، كلما قلت رغبتك في الشراء والاستهلاك مع مرور الوقت.
إنها حالة توفر عليك الوقت والمال وتجنبك التوتر والخوف على الأشياء المادية، لأنك في مرحلة ما قد يكون لديك فقط ما تحتاجه وتستخدمه حقا.
- . الطعام الصحي
عادة ما تكون حياة الاكتفاء الذاتي جزءا من حياة أكثر صحة. لأنك إذا كنت ترغب في النمو وإنتاج بعض الطعام الذي تتناوله في حديقتك بنفسك، فستحصل تلقائيا على الكثير من الطعام الطازج، وخاصة الفواكه والخضروات العضوية.. وباختصار، الكربوهيدرات الجيدة.
- . التمتع بالطبيعة
من الواضح أنك عندما تختار أن تعيش بشكل مستقل، فإنك تقضي وقتا أطول في الهواء الطلق.
وسواء كنت تزرع الخضروات في الحديقة أو قطف الأعشاب والتوت في الغابات والمروج، فإن الطبيعة والمعيشة المستقلة تتماشى ببساطة.
- . يعني أن تكون نشيطا
إذا كنت تريد أن تعيش بشكل مستقل، فلا يمكنك الجلوس وانتظار حدوث كل شيء من حولك.
يجب أن تصبح نشيطا. إن ميزة العيش المستقل أنه لا يتطلب اتخاذ إجراءات محددة ولا جدول مواعيد محدد. ومع ذلك، سوف تتحرك وتناقش كثيرا من أجل تجسيد أفكارك وقراراتك.
إن مجرد زراعة الفواكه والخضروات والحفاظ على حديقتك المكتفية ذاتيا سوف يفرض عليك تحديات متزايدة وسوف يطرح عليك مهام جديدة باستمرار. وهو ما يسمح لك بالبقاء في حالة جيدة عقليا، وقبل كل شيء، جسديا.
- الاهتمام بالبيئة
في النهاية، مع وجود حياة مكتفية ذاتيا، فأنت تقوم تلقائيا بإسداء معروف للبيئة، فكلما كنت تحصل على المزيد من الحديقة، فأنت لن تذهب إلى السوبر ماركت، وبالتالي لن تستهلك ثاني أكسيد الكربون (يعد ركوب الدراجات استثناء بالطبع). وإن لم تعد تشتري الخضروات، لأنك تزرعها بنفسك في حديقتك، فلن تكون هناك نفايات بلاستيكية.
وإذا قمت بإصلاح الأشياء بشكل متكرر أكثر من شراء علامة تجارية جديدة على الفور، فلا بد من إنتاج أشياء جديدة أقل.
ولكن ما هي الخطوات التي يجب عليك اتخاذها لتتعلم كيف تعيش في حالة الاكتفاء الذاتي؟ لكي تعيش في الاكتفاء الذاتي، يجب علينا أن:
- تقبل العزلة وطريقة الحياة الجديدة
كثير من الناس الذين يعيشون بالفعل بشكل مستقل تركوا أولا بيئة معيشتهم المعتادة، ولجأوا إلى البساطة وتخلصوا من كل ما لا لزوم له.
وسواء أكانت إقامتهم الجددة في منزل صغير أو في بيت خشبي داخل مزرعة، فإن كل أشكال الحياة هذه وغيرها الكثير تسهل العيش المستقل. خاصة إذا كان المنزل الصغير مجاورا لمساحة خضراء كافية يمكن استخدامها للزراعة.
وتستهلك الأكواخ ومساحات المعيشة الأصغر موارد أقل، والأهم أنها تستهلك كهرباء أقل.
وإذا كنت ترغب في العيش في منطقة ذاتية الاكتفاء، وفي مساحة صغيرة إلى حد ما، يمكنك أحيانا تحرير نفسك من موردي الكهرباء وإنتاج الكهرباء الخاصة بك، إذ جعلت الأنظمة الكهروضوئية وأنظمة التخزين الكهروضوئية المرتبطة بها من الممكن اليوم توليد الكهرباء من الشمس، بل وتتيح أيضا إمكانية تخزينها بشكل مستدام.
- إنتاج وتخزين الطعام
يشمل العيش في حالة الاكتفاء الذاتي أيضا زراعة الغذاء في حديقتك الخاصة وتخزينه. والنقطة الثانية على وجه الخصوص مهمة، لأنه لن يكون لديك ما يكفي من الطعام الطازج المتاح في جميع أوقات السنة. ويمكنك والحال هذه تخليل الخضار وأنواع كثيرة من الفاكهة. وهو عمل أقل صعوبة مما تعتقد، وسنكافأ بأواني مليئة بالطعام اللذيذ المتاح دائما، حتى في أشهر الشتاء.
وهناك أثر جانبي كبير لذلك، وهو أن الطعام المحفوظ “ينضج” في نفس الوقت من خلال العمليات المختلفة ويكتسب نكهات فردية للغاية.
وإذا كان لديك مساحة في حديقتك وترغب في الحصول على منتجات حيوانية، فيمكنك أحيانا امتلاك بعض الحيوانات الخاصة بك: قن دجاج صغير، القليل من البط والأوز، وربما حتى خروف أو اثنين، وهو ما لا يتطلب شغل مساحات شاسعة.
يستكمل البيض وجبن الغنم والدجاج المذبوح من حين لآخر، أو حتى البط، قائمة الاكتفاء الذاتي الخاصة بك.
وبالمناسبة، يمكن أيضا الاحتفاظ بالدجاج في وسط المناطق السكنية، حيث يعتبر الدجاج من الحيوانات الصغيرة.
3. تعلم استخدام جميع المنتجات في حديقتك
إذا كنت تريد أن تعيش بشكل مستقل، فأنت بحاجة إلى معرفة كيفية استخدام المنتجات المختلفة من حديقتك بطريقة ذكية ومتعددة الاستخدامات. وبالطبع، يمكنك دائما معالجة واستهلاك الفواكه والخضروات الطازجة مباشرة. لكنك ستلتقط أيضا الفاكهة الناضجة، ولن ترميها أو ترسلها إلى سلة المهملات، إذ يمكنك أن تصنع منها (مربيات، خل الفاكهة، منقوع، مياه عطرية). أما الأعشاب الموجودة في حديقتك فهي ليست مناسبة فقط لتنكيه الطبخ ووجبات الطعام، بل يمكن استخدامها في كثير من الأحيان لصنع المستحضرات الخاصة بك والكريمات أو الزيوت والشاي، وهي مصنوعة بالكامل من المنتجات الطبيعية، أو تحويلها إلى مراهم ضد لدغات الحشرات والالتهابات، أو كمنقوع لمعالجة لتقلصات الدورة الشهرية ومشاكل الجلد والتشنجات. ويمتلك العديد من الأعشاب خصائص علاجية ما يتيح لنا أن نصبح أكثر كفاية ذاتية، ربما من الناحية الطبية أيضا
- ممارسة التسميد
التسميد أيضا جزء من الاستقلالية لأنك إن كنت لا تريد لمخلفاتك أن تتراكم فإن عليك التأكد من اختفاء بقايا الطعام والنفايات البيولوجية بطريقة ما.
ووجود السماد في ركن من أركان حديقتك ليس فقط طريقة سهلة للتخلص من النفايات بشكل طبيعي، بل أنه يحولها إلى تربة طازجة غنية بالعناصر الغذائية، والتي يمكنك إعادة استخدامها لحديقة الخضروات أو الأعشاب.
- التخلص من مياه الصرف الصحي
الأمر الأكثر تعقيدا إلى حد ما من إنتاج طعامك هو مصدر المياه الخاص بك، ما يعني أنك لن تكون مضطرا لاستخدام مياه الصنبور أو المياه المعبأة من السوبر ماركت.
وأنت لا تحتاج فقط إلى الماء لأغراض الشرب والنظافة، بل وتحتاج إليها نباتاتك وحديقتك أيضا لكي تزهر وتبقى نضرة.
وفي الأساس، تعتبر مياه الأمطار التي تجمعها في براميل فكرة جيدة لتغذية نباتاتك. أما إذا كنت بحاجة إلى مزيد من المياه، ولا تريد الاعتماد على الأمطار، فيمكنك التفكير في حفر بئرك الخاصة في الحديقة.
ومع ذلك، يجب إبلاغ الجهات المعنية للحصول على ترخيص بحفر البئر والموافقة عليه.
أما إذا كنت ترغب باستخدام مياه الأمطار، وحتى للغسيل أو الاستحمام، فإن عليك معالجتها أولا.
ويمكن أن تكون أنظمة المعالجة هذه باهظة الثمن حسب حجمها ونوعيتها، ولكنها عادة ما تكون يسيرة التكلفة، وتعويض تكاليفها بعد سنوات قليلة أو حتى أشهر.
- نسيان السلع الجديدة واختيار السلع المستعملة
إذا كنت تهتم بنفسك معظم الوقت ولا تعتمد على الآخرين إلا قليلا، فمن الطبيعي أن يكون الأمر مزعجا أكثر إذا كان عليك شراء أشياء مختلفة مرارا وتكرارا.
إن إهدار العبوات الورقية والكرتونية والبلاستيكية، والشعور بدعم الدورات الصناعية بعملية شراء جديدة، وهو ما قد ترغب بالفعل في مواجهته، يخفف من الشعور بالاكتفاء الذاتي.
لذلك، حاول دائما إلقاء نظرة على أبواب البيوت لمعرفة ما إذا كان يمكنك العثور على شيء تحتاجه في حالة الاستخدام.
وعلى الأرجح، لا تعتبر السلع المستعملة “جيدة” وعملية، مثل البضائع الجديدة، ولكنها عادة ما تكون أيضا أرخص بكثير؛ لذلك يمكنك توفير المال مع السلع المستعملة وحماية البيئة، وأيضا مساعدة المالكين السابقين للسلع والذين لم يعودوا بحاجة إليها.
- الحد من الهدر والاستهلاك
يقودنا كل ذلك إلى النقطة الأخيرة في مشروعنا للاكتفاء الذاتي، وهو أننا في محاولتنا التزام استهلاك كميات أقل، وبالتالي إنتاج نفايات أقل، فإننا نجعل حياتنا المستقلة أسهل بكثير.
وبعد كل شيء، فإن أولئك الذين يعيشون بشكل مستقل ليس لديهم وظيفة “تقليدية”، في كثير من الأحيان، وبالتالي قد لا يكون لديهم دخل ثابت ومضمون.
ويعد الادخار والتخطيط للمشتريات، بحيث لا يكون لدينا ما هو غير ضروري، أو قد تضطر للتخلص منه، من الإجراءات الإلزامية في حياة الاكتفاء الذاتي.
وحتى إذا كنت لا تزال تقوم بعملك بشكل طبيعي، فستلاحظ أن الاستقلالية تعني معرفة كيفية الاستغناء عن بعض الأشياء، وتقليل استهلاك جميع الموارد.
وإذا تمكنت من التعود على مثل هذا الحد الأدنى، فإن حياتك غالبا ستصبح أشد كثافة، ويمكنك عندئذ اختبار شعور جديد تماما بالحرية.
مهارات ضرورية
قد يكون الاكتفاء الذاتي مرهقا بعض الشيء بالنسبة لك كونه ينطوي على تغييرات هائلة. ولكنه لا يعني إغلاق باب حياتك القديمة بين عشية وضحاها. إليك بعض المهارات الضرورية التي ينبغي تعلمها لمساعدتك على تغيير سلوكياتك، حتى لو بقيت في بيئتك المعتادة.
- تخمير الأغذية
يمكنك تحويل ما ينمو في مزرعتك إلى أطباق عالمية ومشروبات ملونة بمكونات غنية بالفيتامينات من خلال استخدام تقنيات تخمير مختلفة – دون عناء ودون إهدار للطاقة.
ما المسموح بتخميره؟ كل ما يمكن العثور عليه في الحديقة والغابة والمرج.
- 2. صنع منتجاتك الخاصة
تحتوي الكريمات التقليدية عادة على البارافينات والسيليكون والعطور الاصطناعية التي يمكن أن تسبب الحساسية أو حب الشباب.
حرر نفسك وبشرتك من هذه المكونات غير الضرورية وامزج كريمك المفضل بنصيحة خبراء مختلفين.. إن زيت عباد الشمس وزيت الزيتون وشمع الصوف وشمع العسل هي مكونات يمكنك بها صنع الكريم الخاص بك في أي وقت من الأوقات.
- تعلم استخدام اليدين
إن إنشاء شيء بيديك ليس مجرد هواية ممتعة، بل يجعلك أيضا مستقلا وتشعر بالرضا، خاصة إذا كنت تقضي معظم وقتك أمام شاشة الهاتف المحمول أو الكمبيوتر.. ابدأ بصنع أرفف صغيرة أو خياطة النعال.
- ابدأ في التحرك الآن
أهم شيء في الرياضة هو الحركة. ولا تتطلب الرياضة أي معدات باهظة الثمن. والعيش في الاكتفاء الذاتي يعني أن تكون في حالة تنقل مستمر. لذلك عليك أن تبدأ في تحريك جسمك بأن تمارس القليل من الرياضة والمشي، أو أي شيء للخروج من نمط حياتك المستقرة.
- تعلم حب الطبيعة والعيش مستقلا
الجري، التنزه، السباحة في النهر؟ تعلم أن تقضي الوقت في الهواء الطلق – بدون هدف وبدون جدول زمني يجذبك إلى الداخل. إن قضاء الوقت في الخارج، والبحث، والشم، والاكتشاف: تلك هي العودة إلى الجذور التي تعيد خلق علاقتنا الرائعة مع الطبيعة.