مجلة البعث الأسبوعية

أمريكا .. دولة عالم ثالث ؟؟..

د. مهدي دخل الله

هذا الوصف للدولة العظمى لم يأتِ على لسان محلل ماركسي أو مفكر من ( العالم الثالث )، وإنما جاء من قلب النخبة الأمريكية ، بل من واحد من أكثر رؤساء الولايات ضجيجاً وإثارة للجدل ..

هل يمكن القول : ” من فمك أدينك ” أو ” الحق ما اعترفت به الأعداء ” ؟؟.. لا شك أن هذا هو القول المناسب في التعليق على تصريح دونالد ترامب عن بلده . لا يريد ترامب مدح العالم الثالث عندما زجَّ الولايات في عداد دولة ، وإنما يريد الإساءة إلى بلده بالذات عبر تشبيهها بأمر سيء حسب اعتقاده هو العالم الثالث . أراد ترامب القول أن حكومة بلاده ديكتاتورية كحكومات العالم الثالث ، وهذا قول فيه جدال . فترامب يستطيع وصف حكومته بالدكتاتورية كمواطن أمريكي ، لكنه لا يحق له الإساءة إلى دول العالم الثالث بهذا الشكل ..

لنأخذ مثلاً أكبر دولة في العالم الثالث ، وهي الهند ، إنها واحدة من أقدم الديمقراطيات وأكثرها استقراراً على الرغم من أن مستوى تطورها الاقتصادي أدنى بكثير من قوى الغرب الكبرى . إضافة إلى ذلك ، فإن النمو في الهند لم يأتِ على حساب استعمار العالم ونهبه كحالة الدول الاستعمارية والإمبريالية الكبرى . ثم ماذا عن البرازيل ، الدولة الثانية بين الدول النامية .. أيضاً هي دولة ديمقراطية بكل ما في الكلمة من معنى ، وتجربة الرئيس لولا دي سيلفا وحزبه شاهدة على ذلك . وماذا عن سورية التي يحكمها دستور وفق مبادئ النظام شبه الرئاسي وأسسه كفرنسا تماماً . ولابدَّ هنا من الأخذ بعين الاعتبار ثلاث مسائل :

أولاً : أن دول العالم الثالث ما زالت على درجة متواضعة من النمو ، وعلى الرغم من ذلك فقد خاضت بعضها تجربة الديمقراطية . ولابدَّ من التذكير أن دول الغرب لم تكن ديمقراطية عندما كانت أقل نمواً وعندما كانت في صراعات داخلية وخارجية كبيرة ..

ثانياً : أن غالبية الدول ذات الأنظمة الاستبدادية في العالم الثالث مدعومة دعماً مطلقاً من الولايات المتحدة ، بينما تنبذ أمريكا كل الدول المتوجهة نحو الديمقراطية ( الهند ، سورية ، الجزائر ، فنزويلا ، البرازيل ، إلخ ..) .

ثالثاً : وجود قائد كاريزما في هذا البلد أو ذاك لا يُنقص من الديمقراطية وإنما يعززها ، والدليل على ذلك تجربة الغرب نفسه ، فعندما كان في الولايات وبريطانيا وفرنسا وألمانيا قـادة عِظـام كانـت الديمقراطيـة أفضـل أداءً مما هي عليه اليوم ، باعتراف ترامب نفسه . من هؤلاء القادة على سبيل المثال جفرسون ، روزفلت ، كندي ، ديغول ، تشرشل ، أديناور ، براندت ، إلخ … هل يمكن مقارنة هؤلاء بمن يحكم دول الغرب اليوم ؟؟.. وهل من الضروري التذكير بأن روزفلت تم انتخابه رئيساً أربع مرات متواليات ؟؟..

mahdidakhlala@gmail.com