الجبهة الموحدة بين أذربيجان والكيان الإسرائيلي.. أي تحالف ؟
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
أعلن وزير خارجية الكيان الإسرائيلي إيلي كوهين، خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الأذربيجاني جيهون بيراموف في القدس، عن إقامة “جبهة موحدة ضد إيران” بمناسبة افتتاح سفارة أذربيجان في تل أبيب. وفي معرض التعليق على هذا الأمر، ندد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بـ “المؤامرة”، ووعد بأن بلاده ستمنع أي شخص من التدخل في “العلاقات التاريخية والدينية التي لا تنفصم” بين شعبي أذربيجان وإيران.
وبحسب محللين، فإنه من غير الواضح الشكل الذي ستتخذه “الجبهة الموحدة” الأذربيجانية -الإسرائيلية ضد إيران، لكن من المرجح أن كلا الجانبين قد قررا البقاء غامضين استراتيجياً بشأنه من أجل إبقاء الجمهورية الايرانية في حالة تأهب. وهذا هو السبب في أن لدى طهران أسباباً مشروعة للقلق بشأن احتمال أن يقوم الكيان الاسرائيلي بتنظيم عمليات زعزعة الاستقرار ضد الجمهورية الإسلامية الايرانية انطلاقاً من أراضي جارتها الأذربيجانية، أو تقوم بنشر قواتها المسلحة سراً.
وكانت وسائل الإعلام الإيرانية، ووسائل الإعلام البديلة في الخارج التي تتماشى أيديولوجياً مع سياسة إيران الخارجية المناهضة للصهيونية، قد نوهت على مدار السنوات بأن نص الاتفاق الأخير كان جاهزاً وقيد التشغيل بالفعل، لذا فإن التطور الأخير يرقى أساساً إلى إضفاء الطابع الرسمي عليه. في كلتا الحالتين، تنكر أذربيجان والكيان الاسرائيلي حدوث أي شيء من هذا القبيل، على الرغم من أنه سيكون من الصعب عليهما الآن القيام بذلك، لأن الأساس لهذا السيناريو قد تم بالفعل وضعه مع تشكيل “الجبهة الموحدة”.
لقد تم إنشاء هذه الجبهة بشكل واضح كرد فعل على العمليات الإقليمية مثل التوترات المستمرة بين أذربيجان وأرمينيا حول كاراباخ، وتدهور العلاقات الأذربيجانية الإيرانية خلال العام الماضي، والتي تفاقمت بسبب تحالف طهران السياسي المتزايد مع يريفان. منذ عامين ونصف العام، كانت الجمهورية الإسلامية الايرانية تخشى من أن تحاول باكو احتلال مقاطعة سيونيك الأرمنية للسيطرة على ممر زانجيزور، وحتى دعم الحركة الإنفصالية الأذرية في إيران. وهذا ما يفسر التقارب الاستراتيجي بين إيران وأرمينيا، والذي بات الآن مهدداً من قبل “الجبهة الموحدة” الأذربيجانية الإسرائيلية المشكلة حديثاً ضد إيران. وعلى الرغم من أن تركيا هي الحليف الرئيسي لأذربيجان، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها لخوض حرب مع إيران في أسوأ السيناريوهات، ولهذا السبب تواصلت باكو مع تل أبيب، لأنها تشعر بالقلق أيضاً بشأن سياسة طهران الإقليمية.
جدير بالذكر أن هذه العملية سارية منذ زمن طويل، ولم تتم بسبب التقارب الايراني-السعودي التاريخي بكل معنى الكلمة، برعاية الصين، والذي أدى الى تخفيف الضغوط على إيران، وإنما عمل هذا التقارب على تسريع المحادثات بين أذربيجان والكيان الاسرائيلي.
وقد حدث ذلك عقب فترة وجيزة من الثورة الملونة التي دعمتها الولايات المتحدة في الكيان الاسرائيلي، والتي هدفت إلى الإطاحة بـ نتنياهو لمعاقبته على سياساته المحافظة والمتعددة الأقطاب التي تعتبرها الولايات المتحدة تهديداً لمصالحها الاستراتيجية الواسعة في العالم في إطار الحرب الباردة الجديدة. ولكن يبدو أنه تم تأجيل عملية تغيير النظام هذه حالياً بعد صدور قرار بتأجيل الإصلاحات المخطط لها رداً على الاحتجاجات المسلحة، لكن تحالف الكيان الاسرائيلي المناهض لإيران مع أذربيجان من المرجح أن يحظى بتصفيق الحزبين.
وحتى لو لم يتم الإعلان عن عنصر عسكري على الأقل حتى الآن، فإن سلطات الكيان المحتل تعول على فكرة أنه يمكن الآن الاعتماد على أذربيجان لتضخيم جهودها السياسية والإعلامية ضد إيران، بسبب المصلحة المشتركة مع باكو للقيام بذلك. وعلى الرغم من أن أياً منهما لن يعترف بذلك أبداً، إلا أنه يمكن للمراقبين أن يتوقعوا أنه يأخذ شكل الترويج للانفصالية الأذرية في المناطق الشمالية من الجمهورية الإسلامية الايرانية.
ولتحقيق هذه الغاية، وبحسب المحللين، يجب أن تكون أذربيجان قادرة على الاعتماد على شبكة النفوذ الإسرائيلية الواسعة في وسائل الإعلام الغربية السائدة بقيادة الولايات المتحدة، وفي المؤسسة السياسية الغربية الأوسع لتعزيز هذه الأجندة بشكل أكثر فعالية. لذلك لن يكون مفاجئاً أن تنشر وسائل الإعلام المهيمنة مثل ” بي بي سي” وسي إن إن” يوماً ما مقالات حول هذه القضية، ولا ينبغي أن يفاجأ أحد إذا كانت مراكز الأبحاث الغربية تناقش هذه المسألة في المستقبل القريب.
سيصبح إضفاء الطابع الرسمي على “الجبهة الموحدة” الأذربيجانية- الإسرائيلية ضد إيران عقبة دائمة للعلاقات بين أذربيجان وإيران، مما يقلل من قابلية استمرار ممر النقل بين الشمال والجنوب الذي يمر عبر هذه الجمهورية السابقة السوفيتية. وبالتالي، سيتعين على طريق التجارة الروسي الهندي هذا أن يعتمد إما على بحر قزوين أو على طريق تركمانستان -كازاخستان الأطول بكثير، وهو ما سيمنعه من التحسين الكامل كما كان متوقعاً في البداية.
من وجهة النظر الروسية، فإن أي شراكة تستهدف أطراف ثالثة مقلقة، ومن هنا لن تعلن موسكو عدم موافقة ضمنية على “الجبهة الموحدة” الأذربيجانية الإسرائيلية ضد إيران، بسبب حساسية علاقاتها مع باكو. وفي هذا الصدد، على الرغم من أن العلاقات الثنائية لا تزال قوية والتجارة مستمرة في الإزدياد، إلا أن حالة عدم اليقين بدأت تلقي بثقلها على العلاقات بعد أن اتهمت روسيا مؤخراً أذربيجان بانتهاك وقف إطلاق النار في كاراباخ. بالمقابل، يعتقد البعض في باكو أن روسيا منحازة لصالح أرمينيا، بينما يشتبه آخرون في موسكو في أن أذربيجان تخطط لشن هجوم كبير من شأنه أن يضع قوات حفظ السلام في كاراباخ في موقف صعب للغاية.
يثير هذا التطور الأخير تساؤلات حول دور أذربيجان في عمليات التكامل الاقتصادي لمنطقة أوراسيا، حيث لا يمكن لأحد أن يضمن أن يكون ممر النقل البحري بين الشمال والجنوب قادراً بعد الآن على العبور بشكل موثوق عبر أراضيها، ذلك أن هناك مخاوف من أن يتم استغلال التوترات بين أذربيجان وإيران من قبل أطراف ثالثة، مثل تلك الأطراف الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تستخدم مصطلح “المليار الذهبي” لتقسيم القارة الكبرى والسيطرة عليها. ومصطلح “المليار الذهبي” هو فكرة الهيمنة الكاملة على ثروات العالم، وهي فكرة عنصرية استعمارية جديدة تقسم الشعوب إلى صنف أول وصنف ثان، وكانت رئيسة وزراء بريطانية السابقة قد أجهشت بالبكاء ذات يوم عندما تحدثت عن “المليار الذهبي” وأشارت إلى أن هناك من يخطط لقتل البشر وتقليص عدد السكان عبر نشر الفيروسات والأوبئة القاتلة في العالم.
ومع وضع ذلك في الاعتبار، سيكون من الحكمة للسياسيين الأذربيجانيين والأشخاص المؤثرين الذين يدعمون مصالح دولتهم أن يشرحوا بشكل استباقي أسباب “الجبهة الموحدة” التي شكلتها حكومتهم حديثاً مع الكيان الاسرائيلي ضد إيران، ولا سيما مع نظرائهم في روسيا، الصين والهند. هذه الدوافع الثلاثة المتساوية في القوة للانتقال بالنظام العالمي إلى التعددية القطبية يجب أن تهدأ مخاوف إيران المشروعة بشأن هذا السيناريو في أقرب وقت ممكن.
إن فشل هذا النهج يمكن أن يزيد بشكل كبير من انعدام الثقة بين أذربيجان وهذه القوى الكبرى متعددة الأقطاب، و يمكن أن تؤدي هذه النتيجة غير المواتية بعد ذلك إلى خلق حلقة دائمة من الشك تبلغ ذروتها في الأمر الواقع المتمثل في قيام أذربيجان بدور وكيل أمريكي (سواء أدركت ذلك أم لا) في تقسيم أوراسيا والسيطرة عليها، وهذا السبب كاف و مهم جداً لمنع حدوث ذلك من خلال المشاركة الاستباقية للبلاد مع هذه القوى العظمى الثلاث.