“الهاذي”.. مسرح عبثي ينطلق من منطقية العرض
البعث الأسبوعية- رفعت الديك
انطلقت مسرحية “الهاذي” من منطقية العرض إلى المسرح العبثي كاسرة التقليد عبر استثمار العديد من العناصر منها أداء الممثلين إضافة إلى الرقص والتشكيل البدني والحركي.. المسرحية التي يتم عرضها على مسرح مديرية الثقافة في السويداء تأتي احتفالاً بيوم المسرح العالمي تعكس حالة من الهذيان التي يعيشها الإنسان في حياته وعلاقاته مع محيطه على مر الأزمان، على هيئة حلم يحمل جملة متناقضات وقراءات إنسانية وفي جانبها الإخراجي الكثير من الشرطية بالديكور والإضاءة مع الموسيقا ومع أداء واقعي للممثلين.
والعمل من تأليف عهد معروف مراد وإخراج رفعت الهادي، وشارك في التمثيل ليال الهادي وسامر عزام وفارس الحلبي ومرام دويعر وأبي قصوعة وآية الهاذي وأوس حسن وشهد أبو فخر وأماني أبو عساف وهشام الشوفي ورولا ركاب وملك أبو سعد.
استثمار العناصر
واستطاع المخرج رفعت الهادي أن يستمر كل العناصر الفنية من أداء الممثلين والرقص والتشكيل البدني الحركي لجذب الجمهور رغم تعقيدات النص وخصوصيته التي حرص الكاتب عهد مراد عليها رغم انطلاقه من لحظات إسناد واقعية.
يقول الهادي أن العرض كان على شكل حلم يشبه الحياة وأساس هذا الحلم هو الإنسان وفتح الوعي لديه بأفقه وكيف يمكن أن تكون الحياة مبنية على المحبة والعشق حتى العلاقة مع الإله هي علاقة محبة وأهم حقيقة هي أن وجود الإنسان مع الحياة هو الهذيان الذي يجعل الإنسان مابين الصحوة والغفوة ومابين اللا يقين والحقيقة، هذه المتناقضات تصنع عند الإنسان مساحة لفتح الوعي لا تقبل الاستبداد أو الظلم وعدم الخنوع فالإنسان في النهاية ميت ولا قيمة للزمن مهما بلغ.
طبعاً العرض وما يحمله من تناقضات ودلالات كانت مبهمة عند الجمهور حمّل الممثلين مسؤولية إيصال الفكرة وهذا يتطلب مهارات استثنائية وأدوات يعتمد عليها الممثل، وأهمها كما يقول الهادي: إبداعه وجسده وروحه وعواطفه وهذا ما تم الحرص عليه من خلال تقديم ممثلين جدد ومواهب شابه تمتاز بالحيوية والحماس وحب العمل لتقول أنه كما الحياة مستمرة كذلك الفن الذي يستقبل كافة الموهوبين فلاحظنا وجود كل أشكال الفن مجسدة بالعرض وبشكل حي من موسيقا ورقص وغناء وتمثيل.
إسناد واقعي
إضافة إلى الديكور والإضاءة كان العمل على الشكل الواقعي الذي يحقق متعة أكثر للمتلقي وبالتالي كان الممثل لديه صدق داخلي استطاع إقناع المتلقي أكثر بأدائه وبالتالي كان الأداء واقعي طيلة العرض مع وجود لحظات تحوي كسر ايهام على المستوى الإخراجي.
يقول هنا نقيب الفنانين في السويداء معن دويعر أن العرض ينتسب للمسرح العبثي والذي انطلق من لحظة واقعية وعاد إليها في نهاية العرض وهذا ما أعطاه خصوصية حيث لم يتناول الكاتب الموضوع بشكل تقليدي باستثناء اللحظات الأخيرة التي كانت لحظة إسناد واقعي وقد انطلق من مقولة فلسفية وهي الحلم داخل الحلم حقيقة، وهذا مابدا واضحاً خلال الحديث عن النزاعات الداخلية عند الإنسان كنزاع الغرائز والنوازع والبقاء والسلطة وغيرها وبالمحصلة استطاع العمل أن يحقق متعة تواصل الجمهور مع أداء الفنانين عبر تنوع العناصر الفنية فيه والرقص والتشكيل البدني والحركي رغم الظروف الفنية الصعبة التي رافقت إنجاز العرض.
بدوره الممثل أبي قصوعة والذي لعب دور العاشق الثاني يأتي إلى المكان الذي يضع ساعته فيه، فإذا استمرت بالنبض فيعني أن حبيبته ستعود إلا أنها توقفت، ومع ذلك بقى متمسكاً بأمل عودتها وبقي منتظراً، ويتحول مع مرور الزمن إلى حارس للمكان وكلما جاء عاشق بعده يحاول إقناعه أن الحياة لعبة وحالة الانتظار هي حالة وجود وحالة أمل.
وهذه هي فكرة المسرحية حسب قصوعة إضافة إلى رموز ودلائل أخرى المرتبطة بالوقت والخيال والمرآة وانعكاسك بالكون الذي تكون فيه صورة تعكس وجهات نظرك، ورؤيتك التي تعكس شخصيتك بالمحصلة بعيون الآخرين.
جمهور ذواق
جمهور السويداء الذواق للفن يشكل داعماً حقيقياً لحالات التميز والإبداع والارتقاء بالواقع الفني والذي يشكل المسرح العمود الفقري لهذا الواقع في المحافظة.
يقول الكاتب منصور حرب هنيدي إذا ما تحدثنا عن العناصر المسرحية المهمة وأسباب نجاحها وتحقيق حضورها المستمر، سيكون الدور الأكبر -بلا منازع- للجمهور، لأنه الشريك الأساسي في الاستمرار والتقييم، وجمهور “السويداء” متميز بذوقه وأسلوب تعاطيه مع الأعمال المسرحية بعمق تحليلي للنص والأداء والهدف، ولعل ما قدمه الجمهور من دعم معنوي جعل المسرح يعيش حالةَ انتعاش وقوةً وإبداعاً متجدداً ضمن عناصره المتكاملة وتقنياته المحدودة.
ويضيف هنيدي إن ما يميز مسرح “السويداء” الديمومة التي لم تنقطع رغم الظروف الصعبة، فطيلة العقود الأربعة الماضية لم تنقطع العروض المسرحية وظل التنافس على الإبداع سائداً بين الفرق المسرحية العاملة، التي كان شغلها الشاغل المساهمة في تطوير عمل المسرح من خلال تذليل المعوقات والبحث والتجديد وكشف المواهب الشابة على ساحة المحافظة، وقد أثبتت المواهب الشابة جدارتها ورغبتها وموهبتها على الساحة الفنية، حتى تخرج منهم العديد من المعهد العالي للفنون المسرحية، ووصل القسم الأكبر منهم إلى النجومية، هذا التنافس هو حالة بحث العاملين بالمسرح في إطار النواحي العلمية التقنية والعملية الفنية، وهذا أثمر عشرات الجوائز التي حققها مسرح “السويداء” في مهرجانات مسرحية، وكانت على صعيد الفرق والممثلين والإخراج والنص، وهذا كله يعود إلى وجود جمهور ذواق وداعم.