بعد اليابان والصين.. الدوريات الخليجية قبلة نجوم كرة القدم الأوروبية والأسباب مادية
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
فتح انضمام نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر السعودي باباً واسعاً لظاهرة جديدة هي هجرة لاعبي كرة القدم من أوروبا إلى دوريات منطقة الخليج، بعد أن كانت الهجرة في السنوات الأخيرة تجاه الدوري الصيني الذي استحوذ على حصة كبيرة من النجوم المعتزلين دولياً مع منتخبات بلادهم ورغبوا في ختام مسيرتهم بتحصيل أكبر عائد مادي ممكن، مع اختلاف جوهري بين الفكرتين، وهو أن عدداً كبيراً من اللاعبين المميزين ينتقلون إلى الدوريات الخليجية وهم ما زالوا في أوج عطائهم ومثال ذلك اللاعبيون المغاربة واللاتينيون القادمون من الدوريات الأوروبية وخاصة الإسباني والإنكليزي والبرتغالي.
وإذا عدنا بالذاكرة لوجدنا تشابهاً كبيراً لما حصل بعد انتقال الجوهرة السوداء بيليه البرازيلي إلى الدوري الأمريكي في سبعينيات القرن الماضي، وما تلاه في تلك الحقبة من التحاق كوكبة من نجوم كرة القدم أمثال الهولندي كرويف والألمانيين بيكنباور ومولر والأيرلندي جورج بيست وغيرهم به ما أثر إيجاباً على انتشار اللعبة في الولايات المتحدة، والإقبال عليها من قبل الشبان والجمهور، وما فعلته الصين ومن قبلها اليابان باستقطاب نجوم عالميين في تسعينيات القرن الماضي أمثالث البرازيلي زيكو والإنكليزي غاري لينيكر والفرنسي بازيل بولي، وما يزال إنييستا نجم برشلونة والمنتخب الإسباني السابق ينشط في اليابان منذ عام 2018 إلى الآن، فيما احتضنت أندية صينية لاعبين مشهورين، من بينهم ديدييه دروغبا وروبير بيريز، والتحق البرازيلي روبيرتو كارلوس لاعباً ومدرباً بنادي دلهي ديناموس في الهند عام 2015.
ويبدو أن دول الخليج قد فطنت مؤخراً لفوائد وجود أسماء كبيرة في دورياتها ، فلهذه الخطوة جانب مادي دعائي وترويجي وآخر يتعلق بتطوير وتعزيز ثقافة كرة القدم في تلك المنطقة، وبات يتردد مؤخراً الحديث عن مساعٍ لأندية في المنطقة من أجل التعاقد مع عددٍ من اللاعبين العالميين من بينهم ميسي وراموس وهازارد ومودريتش.
وبالدرجة الأولى يسلط الضوء على النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وأغلب الشائعات تصب في انتقاله من ناديه الحالي باريس سان جيرمان إلى الهلال السعودي، ولكن هذا الأمر غير ممكن في الوقت الحالي فإدارة النادي الفرنسي تسعى لتجديد عقد لاعبها والذي ينتهي في حزيران القادم لعام آخر على الأقل، ومن المعلوم أن الهلال كان السباق في نية التعاقد مع رونالدو خلال الميركاتو الشتوي الحالي، لكن عقوبة منعه من القيد سمحت لغريمه التقليدي نادي النصر بضم رونالدو، ومن المستبعد أن يتكرر السيناريو وينضم ميسي إلى رونالدو، ويلعبان سوياً في النصر، وتطرقت الشائعات إلى أن راتب ميسي السنوي مع الهلال قد يصل إلى 350 مليون دولار، وهذا مبلغ سيصعب رفضه من جانب النجم الأرجنتيني.
وبالتوازي ازدادت وبشكل كبير هجرة نجوم الكرة المغربية من ملاعب القارة الأوروبية إلى دوريات الخليج خاصة بعد مونديال 2018، وكان مبارك بوصفة قد دشن أولى صفقات انتقال اللاعبين المغاربة صوب الدوريات الخليجية صيف 2016 بانتقاله إلى الدوري الإماراتي، بعد أن لعب لعدد من الأندية الأوروبية مثل أندرلخت البلجيكي، وإنجي مخشكالا ولوكوموتيف موسكو الروسيين، كما انتقل نور الدين مرابط من ليغانيس الإسباني إلى النصر السعودي، ثم كريم الأحمدي من فينورد الهولندي إلى اتحاد جدة السعودي، ولحق بهم عزيز بوحدوز بانتقاله إلى الباطن السعودي قادماً من سامباولي الألماني ثم مروان داكوستا من باشاك شهير التركي إلى اتحاد جدة، والمهدي بن عطية إلى الدحيل القطري آتياً من صفوف يوفنتوس الإيطالي.
هذه الخطوة يختلف المتابعون في تأويل أسبابها، فبالنسبة لمن حقق الشهرة والإنجازات يعد هذا الانتقال بمثابة عقد اعتزال، يرضي غروره بسماع هتافات المشجعين في المدرجات وخاصة بعد إسهامه بنجاح فريقه، وبنفس الوقت يحصل على رعاية واهتمام ربما أكبر من الذي كان يلقاه في الأندية الأوروبية، وطبعاً فوق هذا كله عائد مادي ضخم.
وهناك من يرحل بسبب تجاهل مدربي أنديتهم لهم، وتحصل هذه الحالة كثيراً في الآونة الأخيرة وخاصة عند استقدام مدرب جديد، ومن الأمثلة الواضحة صفقة انتقال الكرواتي ماريو ماندزوكتش من فريق يوفنتوس الإيطالي إلى الدحيل القطري، بسبب عدم اعتماد المدرب ساري عليه كخيار أساسي في تشكيلته، أما آخر الأمثلة وأهمها قصة رونالدو مع تين هيغ مدرب مانشستر يونايتد الذي قام بكل شيء من أجل التضييق على البرتغالي وإجباره على ترك الفريق الإنكليزي، وطبعاً هناك أمثلة أخرى كالهولندي شنايدر بعد رحلة اعتزال مروراً بغلطة سراي التركي ونيس الفرنسي ثم ختم مسيرته في قطر بنادي الغرافة، والأرجنتيني غابرييل باتيستوتا الهداف التاريخي لمنتخب بلاده- قبل أن يتجاوزه ميسي- انتقل ختاماً من روما الإيطالي إلى العربي القطري، وهناك من يرى أن دافع هؤلاء اللاعبين للرحيل هو رفضهم لفكرة التقدم بالسن وأنهم فقدوا روح الشغف وعشق اللعبة، بل هم مازالوا يريدون أن تستمر أقدامهم بملامسة العشب الأخضر، وسط هتافات المشجعين.
وبغض النظر عن أسباب انتقال هؤلاء النجوم سواء نفسية أو مادية، هناك حقيقة لا يجب إنكارها أو نسيانها، هي أنهم عاشوا حياتهم منغمسين في عشق هذه الساحرة متغنين بنعيمها وبائسين من قسوتها أحياناً، لذلك يصعب عليهم ترك الملعب وترك الركض خلف الكرة وتعليق حذاءهم إلى الأبد بتلك السهولة، وحتى لو لم ينجحوا ويحققوا النتائج الطيبة مع فرقهم الجديدة إلّا أنهم ينتقلون وهم ثقة بقدرتهم على خوض مغامرة أخرى متلذذين بآخر أوقاتهم على الملعب ومجاراة فترات اعتزالهم مع من يقبل بهم ويقبلون به.