مجلة البعث الأسبوعية

تسعة أبواب في مدينة حلب تؤدي إلى القلعة

فيصل خرتش

على ثمان تلال صغيرة تقوم مدينة حلب وضواحيها، وهذه التلال ذات ارتفاعات متباينة، بالإضافة إلى الأودية التي تتخللها، فهي تشغل مساحة واسعة من الأرض المنبسطة وتشكل كلَها دورة تقارب مسافتها سبعة أميال، ولا يزيد محيط المدينة على ثلاثة ونصف الميل، وهي محاطة بسور قديم، ويعتقد أنَ أمراء المماليك هم الذين بنوا الأسوار التي تمَ ترميمها في معظم الأماكن، وقد تعرضت المدينة إلى غزوات شنها عليها التتار في سنة 1260م بقيادة هولاكو، ومن ثمَ بقيادة تيمورلنك في سنة 1400م، ومن المؤكد فإنه لا توجد دلائل تثبت أنها قديمة جداَ، رغم أنه يمكن الاستدلال من الفتحات الموجودة في الأبراج، ومن حجم الأقواس، وحجم الحجارة المستخدمة في الكثير منها، بأنها كانت قد بنيت قبل فترة استخدام المدفع، وبأنها ترجع إلى فترة كانت تسود فيها روح القتال، ولم تكن البلاد في حالة استقرار، لذلك حافظت على هذا النموذج الضخم من الهنة المعمارية الذي أصبح قديماَ في سورية.

بالإضافة إلى السور كانت المدينة محصنة بخندق واسع وعميق، وتمَ تحويل جزء منه إلى بساتين توفَر مشهداَ جميلاَ وقد ارتفعت على أطلال الأسوار القديمة.

يوجد في المدينة تسعة أبواب، يقع اثنان منها في الجنوب، واثنان منها في الشرق، واثنان في الشمال وثلاثة في الغرب، ويعتبر باب قنسرين أجمل هذه الأبواب، ويعتقد أنَ سيف الدولة هو الذي بناه في حولي نهاية القرن العاشر، وأعاد بناؤه الملك الناصر حفيد صلاح الدين في حوالي 1244 م وقد سُمي باسم منطقة كانت تُعد مدينة رئيسية في سورية فيما مضى، ويطلقون عليه باب السجن، أما الباب الجنوبي الثاني فهو باب المقام أو باب دمشق، ويمر السور بين هذين البابين لمسافة صخرية وعرة وعالية.

تحيط بجانبين من جوانب إحدى التلال الرئيسية في المدينة قلعة تدعى قلعة الشريف، ومن الجهة الشرقية، يطلقون عليه باب النيرب، وثمة باب آخر يسمَى الباب الأحمر، أما على الطرف الشمالي فيوجد باب الحديد، وعلى الجانب نفسه، وباتجاه الغرب، يوجد باب النصر الذي كان يسميه الأوربيون باب القديس جورج، وكان يطلق عليه فيما مضى اسم باب اليهود، إلا أنَ الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين أعاد بناؤه وجعله أضخم وأجمل مما كان عليه، غيَر اسمه وأطلق عليه اسم باب النصر، وعند أسفل البوابة الحديدية يوجد مصباح دائم الاشتعال، والناس تتوقف عنده وهم يلهجون بالأدعية، ويمتد السور من باب المقام إلى باب الحديد، على أرض منبسطة غير مرتفعة كثيراَ، ويكون منخفضاَ ومتهدماَ في أماكن كثيرة: وقلما يشاهد الخندق، ومن باب الحديد إلى باب النصر يرتفع السور عالياَ، ويتسع الخندق، ويحيط بحارة مرتفعة أخرى تدعى الجبيلة، ومن باب النصر وحتى أوَل الأبواب الغربية، يرتفع السور ارتفاعاَ كبيراَ، ويرتفع أيضاَ على الجانب الغربي من المدينة عالياَ، وهو مبنيُ بشكل متين، ومعظم الخندق ممتلئ، رغم أنه ليس مزروعاَ كما هي الحال في أماكن أخرى، ويمر الطريق الرئيسي تحت السور، وأول باب في ذلك الجانب هو باب الفرج، وقد بناه الملك الظاهر، والأوربيون يطلقون عليه باب الجنان، وهو أقل جمالاَ من بقية الأبواب باستثناء الباب الأحمر، أما الباب الثاني الذي يقع على بعد مئتي خطوة إلى الجنوب فيُطلق عليه باب العتمة أو باب الجنين، الذي يؤدي إلى الجسر، ويعبر نهر قويق في هذا المكان وهو يتجه إلى المشارقة، أما البوابة التاسعة والأخيرة فهي تطل على الطريق الغربي الكبير ويسمَى باب أنطاكية، تقع بحسيتا بين باب النصر وباب الجنائن، وهي أكثر ارتفاعاَ وتوجد بين باب العتمة وباب أنطاكية وهما منطقتان مرتفعتان، يطلق على المنطقة الأكثر ارتفاعاَ العقبة، كما توجد منطقة مرتفعة خامسة تدعى الجلوم باتجاه باب السجن.

وكلَ هذه البوابات تؤدي إلى القلعة، والتلة التي بنيت فوقها تعتبر من أكثر التلال ارتفاعاَ، وتبدو القلعة وكأنها في وسط المدينة، ويحيط بها خندق عميق وعريض يبلغ نصف قطره حوالي نصف ميل، وتغمره المياه باستمرار، وهو مزروع بالأشجار والقصب أو الخضار، وفي بعض الأماكن تكسو المنحدر أحجار منحوتة من الأعلى إلى الأسفل، أما بالنسبة إلى ارتفاعها فيبدو من عمل الطبيعة، ويمكن رؤية الصخر الحي عند القمة.

يقول عدد من الرحالة بأنَ التلة التي بنيت عليها القلعة هي تلة اصطناعية، ولذلك فهي حتماَ عمل رائع، وعدد العواميد التي تستند عليها التلة يبلغ ثمانية آلاف عمود، وقد استخدم كثير من الفن في تسوية التلة، وبما أنَ الانحدار يكون شديداَ في مواضع كثيرة منها فقد تعين دعم التربة، ولولا ذلك لانحرفت التربة بفعل الأمطار الغزيرة، ويمكن رؤية أساسات البناء القائمة لذلك الغرض في بعض أماكن انحراف التربة فيها أدَى إلى تعريتها، وهي تتكوَن من حجر الحوَار.

ويقع مدخل القلعة على الطرف الجنوبي بواسطة جسر يتم عبوره فوق خندق، يتألف من سبعة أقواس رفيعة عالية، وتقوم عليه بوابتان محصنتان بأبراج صغيرة، ويمتد الجسر فوق البوابة الثانية، ويجلس أغا القلعة تحت هذه البوابة مع حارسين أو ثلاثة، ويعلقون أسلحتهم وراءهم على الحائط، ومن هذه البوابة الثانية يسهل الصعود إلى القلعة وعند نهاية الجسر توجد بوابة ثالثة أعلى من البوابتين السابقتين، فوقها حجرات لاحتجاز السجناء من فئة معينة، أما المسافة الباقية فهي ذات ارتفاع حاد نسبياَ، وتنحني عبر ممرَ عريض ومرتفع مسقوف، يوجد على كلَ جانب عربات مدفع وعوارض ضخمة، ويوجد خلف هذا الممر بوَابة رائعة تؤدي إلى طريق مرصوف، وبعد اجتياز البوابة الرابعة وأثناء الصعود إلى الأعلى، تظهر بعض المحلات على الجهة اليسرى، توجد أمامها حجرات  صغيرة ذات قضبان حديدية، وإلى الأعلى من الناحية اليسرى، يوجد عدد قليلمن البيوت القديمة الكبيرة، ومن الناحية الأخرى توجد شوارع عديدة وبقربه بئر يتم سحب المياه منه بواسطة دولاب يديره حصان.

يعتبر أهالي حلب أنًالقلعة منيعة جداَ، ولا يمكن اختراقها، كما تعتبر مخزناَ هاماَ للذخيرة، وعندما كانت المدينة تتعرض للخطر، كانت القلعة توفَر ملاذاَ للقضاة، وتصبح في أثناء الاضطرابات سجناَ للمجرمين، ويتمَ فيها إعدام الإنكشارية عند الحكم عليهم بالإعدام.

مراجع البحث:

تاريخ حلب الطبيعي للأخوين راسل، ترجمة خالد الجبيلي، دار شعاع، حلب1999.

تاريخ حلب، الأسقف أردفازسورميان، ترجمة د. الكسندركشيشيان، دار النهج حلب 2006.

الشرق الأوسط عشية الحداثة، أبراهام ماركوس، ترجمة أيمن درويش، دار شعاع حلب 2009.