دراساتصحيفة البعث

روسيا والصين.. شوكة في حلق واشنطن

هيفاء علي

في الوقت الذي تنشغل فيه فرنسا وطبقتها الثرية وجزء كبير من شعبها، بمسألة إصلاح نظام التقاعد، مع استمرار خروج المظاهرات الرافضة له في معظم الساحات الفرنسية، فإن هذا لا يمنع بقية العالم من الاستمرار بالمضي نحو التغيير، ولا يمنع التوازنات الجيوسياسية من التغيير بسرعة كبيرة مع استمرار الأزمات.

كانت الأسابيع القليلة الماضية مشغولة جداً، حيث حاول ماكرون مغازلة الديمقراطية البرلمانية في إطار إصلاح نظام المعاشات التقاعدية لينتهي الأمر بالتحايل عليها بلا خجل باستخدام المادة 49.3 من الدستور الفرنسي. بينما كان هناك عدة أحداث كبرى تجري على الساحة الدولية، والتي شغلت اهتمام وسائل الإعلام في معظم أنحاء العالم باستثناء وسائل الإعلام الغربية التي تعمّدت التعتيم عليها، أو التطرق إليها بخجل لدرجة أن المرء يتساءل عما إذا كانت قد حدثت بالفعل!.

لكن في العلاقات الدولية، سيكون من المستحيل عدم ذكر زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، والتي نشرت بوضوح رسالة التفاهم الودي القوي بين البلدين، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات وشراكات واسعة للغاية بين البلدين، وهو في جوهره عكس ما سعى إليه الأمريكيون دائماً. وبالطريقة نفسها، سيكون من الصعب التقليل من أهمية إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، ومع ذلك قدمتها الولايات المتحدة على أنها مرغوبة على الأقل منذ أن شجّع أوباما السعودية على إيجاد أرضية مشتركة مع إيران دون تحقيق أي شيء، والسبب في هذا التحفظ حول إعادة الفتح إلى حقيقة أنها ثمرة مفاوضات بين البلدين بقيادة الصين، والتي تنظر إليها واشنطن على أنها القوة الجيوسياسية الصاعدة التي يجب كبحها.

وبينما اعترفت بعض غرف التحرير على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي بأن هذا الدفء في العلاقات الإيرانية السعودية يجب أن يُعتبر نجاحاً للصين، كان عدد قليل من الصحفيين الأوروبيين أسرع في ذكر أن من مصلحة الإيرانيين والسعوديين بالفعل تخريب الموقف المرجعي الأمريكي، حتى لو كان ذلك يعني تسوية خلافاتهم السابقة.

بعبارة أخرى، إيران والسعودية سوف تنضمان إلى مجموعة “البريكس”، وفي الوقت نفسه بدأت السعودية في تسوية بعض معاملاتها النفطية باليوان بدلاً من الدولار. ومع وصول إيران والسعودية إلى دول “البريكس” فإنهما ستنضمان إلى جميع الدول الرئيسية المنتجة للنفط في العالم في التحالف الاقتصادي نفسه، الذي يمثل وزنه الديموغرافي أيضاً نصف حجم الكرة الأرضية بالنسبة لعدد السكان. وعليه، من الواضح أن هذا التحالف أكثر من مجرد شوكة في حلق الهيمنة الأمريكية، وفي حلق المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ليس فقط لأن أمريكا لا تستطيع أن تلعب دوراً حاسماً، ولكن أيضاً لأن أعضاء هذا التحالف لن يوافقوا على الترحيب بالعم سام ودولاراته المتدهورة.

وكما هي الحال مع الغاز والنفط، تعدّ دول “البريكس” أيضاً مصدراً قوياً للذهب المنتج في العالم، حيث تعلن الصين أن لديها 2000 طن من الذهب، بينما يُقدّر العديد من المتخصّصين أنها جمعت ما لا يقلّ عن 20.000 طن لبضعة عقود، وكل هذا يتبلور حتى مع استئناف زيادة وارداتها من الغاز الروسي، والتي كانت قد تراجعت منذ أكثر من عام بقليل، كما خفضت دول أخرى في وسط آسيا والشرق الأوسط صادراتها من الطاقة الخام، الغاز والنفط، لتخصيص حصة متزايدة من عمليات الاستخراج للتنمية، في اتجاه تسارع بقوة في الأسابيع الأخيرة.

بعبارة أخرى، إن عمليات تبادل الطاقة في طور التغيير بشكل كبير، وكذلك تدفقات الدولارات ما قد يؤدي إلى عدة عواقب، فبالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية للدولار، يؤدي الانخفاض في صادرات الطاقة إلى زيادة سعر النفط والغاز بشكل ميكانيكي. أما بالنسبة للأوروبيين، فيبدو أنهم يستمرون في التصرف كما لو أن هذه التغيرات الجيو- اقتصادية الرئيسية لم يكن لها أي تأثير عليهم. ومع ذلك، كان من المفترض أن تثير جولة ماكرون الأخيرة الكارثية في إفريقيا بعض الإشارات في الشبكات الدبلوماسية، حيث يبدو واضحاً أن الروس والصينيين استثمروا القارة الأفريقية إلى حدّ كبير على حساب الأوروبيين والأمريكيين.

ومع تشكل منظمة بهذا الحجم تشكل فيها الصين، التي تمتلك كميات هائلة من الذهب، شراكات قوية في مجال الطاقة مع روسيا وبقية دول “البريكس”، يمكن أن تطلق الصين “يواناً ذهبياً” من شأنه أن يهزّ بعنف النظام النقدي الدولي. وبحسب المحللين، فإنه من الضرورة القصوى العمل من أجل البنوك المركزية الغربية، في الوقت الذي تشهد فيه البنوك الاضطرابات والإفلاس كما يحدث في الولايات المتحدة، وربما كان هذا هو سبب قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإطلاق عملية ضخ بالعملة الإلكترونية، أو قيام البنك المركزي الأوروبي بدفع الرموز الرقمية الخاصة به التي تستخدم كقوة لاستعباد الشعوب.