دراساتصحيفة البعث

رمال الخليج المتحركة تبشر بشرق أوسط جديد

ترجمة: سمر سامي السمارة

بعد الاتفاق الجديد بين إيران والسعودية، والذي يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية، ومدّ جسور للتعاون والعمل المشترك بينهما، تتحول رمال الخليج المتحركة إلى قوة صلبة، ويعتبر المراقبون أن هذا التحالف الجديد يتحدّى سياسة فرق تسدّ القديمة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يمكن للتقارب بين إيران والسعودية أن يحدث تحولاً جذرياً في المنطقة، خاصة وأنه أنهى سنوات من التوترات، فالأمم تدرك أنه في الاتحاد قوة.

قرّرت إيران توطيد العلاقات مع جيرانها العرب بدلاً من انتظار قرار الولايات المتحدة بتجديد الاتفاقية النووية، كما اتخذت السعودية قرارها الاستراتيجي بعدم الاعتماد على الولايات المتحدة في ضمان أمنها. وقد جمعت هاتان الاستراتيجيتان إيران والسعودية معاً من خلال وساطة صينية أثبتت قدرتها على إزاحة الولايات المتحدة، والتي تقف في طريق الاستقرار في الشرق الأوسط.

ساعد الحوار الناجح الأخير الذي جمع السعودية وإيران في بكين، على تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، الأمر الذي سيعزّز التضامن الإقليمي ويخفف التوترات في المنطقة.

وفي مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 28 آذار الماضي، أكد الرئيس الصيني أن الصين عازمة على دعم هذه العملية بشكل أكبر.

تجدرُ الإشارة إلى أن الاتفاق اشتمل على دعم السعودية لعودة إيران إلى الاتفاق النووي مع الغرب، وخطط إنهاء الحرب على اليمن، والتعاون لتحقيق الاستقرار في سورية، فضلاً عن تعزيز العلاقات المشتركة في منظمة أوبك.

من جانبه، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في 26 آذار، عن اتفاق البلدين على عقد لقاء بين كبار الدبلوماسيين في البلدين، حيث سيتمّ الإعلان عن المكان خلال الأسبوع الثالث من شهر نيسان الجاري.

ومن المتوقع أن تفتح إيران والسعودية سفارتيهما خلال شهر أيار المقبل، وأن يستأنفا الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الموقعة منذ أكثر من 20 عاماً.

هذا وقد أعادت الإمارات العربية المتحدة والكويت العلاقات مع إيران مؤخراً، وأعربت إيران عن أملها في اتخاذ خطوات لإعادة علاقاتها مع البحرين أيضاً.

وفي مؤشر آخر على التواصل في المنطقة أجرى المسؤول الأمني الإيراني علي شمخاني، محادثات مع رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي في 23 من آذار الماضي.

وبالعودة إلى شهر حزيران عام 2006، دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى “شرق أوسط جديد”، معتقدة هي والرئيس جورج دبليو بوش من خلال ممارسة الغطرسة الأمريكية المعهودة، أن العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، وعمليات القصف من الشمال إلى الجنوب، إضافة إلى قتل مئات المدنيين، كان ضرورياً وفق زعمهما لإنهاء المقاومة ضد الاحتلال “الإسرائيلي” لفلسطين.

في الحقيقة، خسر كلّ من رايس وبوش حربهما في العراق ولبنان، ذلك أن مقاومة الاحتلال كانت قوية كما كانت دائماً، وفي النتيجة اعترفت الأمم المتحدة بأن “إسرائيل” دولة تمارس الفصل العنصري. كما حاول الرئيس أوباما، بدعم من  الأمير بندر بن سلطان تغيير نظام الحكم في سورية، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.

من المؤكد أن بشائر بزوغ شرق أوسط جديد أصبحت أكثر تبلوراً، لكنه ليس الشرق الأوسط الذي يُبقي على سياسات رايس وبوش في المنطقة.

وعندما تولى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو منصبه للمرة السادسة، تعهّد بتحقيق هدفين رئيسيين تتمثلان بعقد صفقة مع السعودية بموجب اتفاقية “أبراهام”، فضلاً عن زيادة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، لكن وفقاً للاستراتيجية الجديدة بين إيران والسعودية أصبح موقف نتنياهو ضعيفاً.

في 24 آذار، أعلنت “إسرائيل” عن خطط لبناء أكثر من 1000 وحدة سكنية جديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بعد أيام فقط من الموافقة في اجتماع في مصر على تعليق بناء المستوطنات.

بدورها، استنكرت الخارجية السعودية المخططات الإسرائيلية، ودعت المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ووقف ممارساته الاستفزازية التي من شأنها أن تعرقل مسارات الحلول السياسية القائمة على مبادرة السلام وتقوّض المسار الدولي لجهود السلام.

كانت الصفقة المفاجئة في آذار بمثابة صدمة لإدارة بايدن، لكن قرار خفض إنتاج النفط الذي أصدرته السعودية، و8 دول من تحالف أوبك في تشرين الأول 2022 كان بمثابة مفاجأة من الصعب قبولها في المكتب البيضاوي، الأمر الذي استدعى ذهاب بايدن إلى محمد بن سلمان شخصياً للمطالبة بزيادة إنتاج النفط لخفض سعر البنزين في الولايات المتحدة، لكن محمد بن سلمان رفضه بشكل قاطع.

وقع هجوم على منشأة شركة “أرامكو” السعودية عام 2019، عندما استهدفت طائرات بدون طيار منشأة بقيق النفطية، بينما كانت محمية ببطاريات دفاع جوي أمريكية الصنع. ومع ذلك، لم تكن أيّ منها فعالة أو أسقطت حتى طائرة بدون طيار واحدة.

أدّى استهداف المنشآت لخروجها من الخدمة، وانخفض إنتاج أكبر منتج للنفط في العالم بمقدار النصف، وهو ما يمثل نحو خمسة في المائة من إنتاج النفط العالمي.

كان ذلك بداية صياغة إستراتيجية أمنية جديدة للسعودية، لا تعتمد فيها على الولايات المتحدة بل تتطلع إلى تحالفات الجوار بشكل مستقل.