روسيا تعدّل وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية
ريا خوري
لم تتوقف روسيا يوماً عن وضع خطط استراتيجية من أجل ضمان أمنها الاستراتيجي وتقدّمها الحضاري ودورها الفاعل في العالم، فقد كانت آخر مرة قامت فيها روسيا بتحديث مفهوم السياسة الخارجية في عام 2016، ويومها لم تكن العلاقات بينها وبين الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، قد وصلت إلى هذا الحدّ من التوتر والصراع الذي بدأ يتصاعد شيئاً فشيئاً.
مع اندلاع الحرب الأوكرانية، واتساع المشاركة الأمريكية ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) فيها من خلال الدعم العسكري والمالي الهائل غير المسبوق لأوكرانيا، عدّلت روسيا وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية التي تشكل خارطة طريق ومنهجاً لوزارة الخارجية الروسية، كي تتماشى وتتوافق مع الواقع ومستجداته واستحقاقاته، وإيلاء الاهتمام الكبير لتوسيع العلاقات مع الشركاء، وتهيئة الظروف المناسبة للدول المعادية للتخلي عن سياساتها ونهجها، حسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء التوقيع على الاستراتيجية الجديدة يوم ٣١ آذار الماضي.
الوثيقة الاستراتيجية تقع في 42 صفحة موزعة على عدة فصول تحدّد التغييرات والمستجدات التي طرأت على نظرة روسيا للعالم، ولاسيما علاقة المواجهة المتزايدة مع الغرب الأوروبي- الأمريكي، إضافة إلى العلاقات مع كلّ من الصين، والهند، وإفريقيا، ودول القوقاز.
لقد عانت العلاقات الدولية بين روسيا والغرب الأوروبي- الأمريكي خلال العام المنصرم من انهيارات واضحة، أدّت بالنتيجة إلى تغيير كبير في نظرة روسيا وموقفها، والتي انعكست في الاستراتيجية الجديدة، وكانت أكثر وضوحاً وصراحةً في تحديد المواقف بأنّ روسيا لا تعتبر نفسها عدواً للغرب، ولا تنعزل عنه وليس لديها نوايا عدوانية أبداً، لكنها من جهة أخرى تعتبر أنّ مسار الولايات المتحدة هو المصدر الرئيسي للأخطار التي تهدّد أمنها القومي والسلام العالمي، وأنها تتمسّك بقوة بأولوية العمل من أجل تصفية الهيمنة الأمريكية ومخلفاتها واستطالاتها في العالم، وهذا ما توقف عنده سيرغي لافروف، وزير الخارجية، بإشارته إلى أن الولايات المتحدة هي المبادر والمحرّض الرئيسي على انتهاج الخط المناهض بل المعادي لروسيا، بهدف إضعافها من جميع النواحي، ما يمكن اعتباره حرباً هجينة من نوع جديد.
كما أكدت الوثيقة الاستراتيجية الروسية أنّ الإجراءات المناهضة والمعادية لروسيا التي تتخذها دول الغرب الأمريكي- الأوروبي، ستواجه باستمرار، وبقسوة إذا لزم الأمر، وهذا يعني أن المواجهة باتت مفتوحة بشكل لا لبس فيه بين روسيا والدول الغربية من أجل القبول بحقيقة تعدّدية الأقطاب وتنوعها، والعودة إلى التفاعل العملي على أساس مبادئ المساواة في السيادة، واحترام المصالح والمعاملة بالمثل.
وبشأن العلاقات مع القارة العجوز، تحدثت الوثيقة عن المنطقة الأوروبية بكلّ صراحة ووضوح، وقالت إنّ معظم دولها “تنتهج سياسة عدوانية مناهضة تجاه روسيا تهدف إلى خلق تهديدات لأمن وسيادة الاتحاد الروسي، فضلاً عن تعميق خطوط التجزئة والانقسام في المنطقة الأوروبية”.
وتوقفت الوثيقة عند العلاقات مع الدول العربية، وأهمية تعميق العلاقات معها وتجذيرها، كما اعتبرت أنّه من المهمّ جداً التعميق الشامل والتطوير المستمر للعلاقات والتنسيق مع مراكز القوى العالمية السيادية الصديقة، وهي جمهورية الصين الشعبية والهند.
من الواضح أنّ الاستراتيجية الروسية للسياسة الخارجية تبدو صريحةً وواضحةً، ولا تحتاج إلى تفسيرات وتأويلات مختلفة، فهي في تصنيفها تحدّد الأعداء والأصدقاء، وكيفية التعامل معهم للسنوات القادمة.