دراساتصحيفة البعث

عالم متعدد الأقطاب

ترجمة: سمر سامي السمارة 

في نصف الكرة الأرضية الغربي تضيع الأخبار الحقيقية إلى الأبد، فقد تحول الواقع ليس فقط في أروقة السلطة في واشنطن ولندن وبروكسل، بل وفي الأوساط الصحفية والأكاديمية، والقطاع غير الربحي والأعمال التجارية. وفي الحقيقة، أصبحت الكذبة التي عملت آلة الدعاية على بلورتها هي السائدة، فعند إجراء إي استطلاع للرأي بين الأمريكيين، يبدو واضحاً أن كل ما تفعله أو فعلته أمريكا يلقى ترحيباً.

من المستغرب أن الوضع في أسوأ مستوياته في الأماكن نفسها التي يُفترض أن يقوم مفكروها بحل مشاكل العالم، فعلى سبيل المثال، يجادل عباقرة مركز الفكر والأمن العالمي في واشنطن بأن موقف الهند من الصراع بين روسيا وأوكرانيا لا يُظهر دعماً لروسيا، ويذهب بعض الخبراء في معرض حديثهم عن العلاقات بين روسيا والهند للقول بأن الهند تسير على حبل مشدود لمنع إثارة استياء الأمريكيين، وكدليل على ذلك، استشهد الخبراء بالتعليقات التي أدلى بها رئيس أركان الجيش الهندي الجنرال مانوج باندي، والتي ناقش فيها أن الهند أصبحت مكتفية ذاتياً على الصعيد العسكري وأيضاً فيما يتعلق بسلاسل التوريد.

بالعودة إلى مركز “ستيمسون”، لابد من الإشارة إلى أن مجلس إدارة المركز يضم كريس بالديرستون، المدير العام لشركة فليشمان هيلارد، والمدير التشريعي السابق لهيلاري كلينتون، كما أن كوندوليزا رايس كانت أيضاً عضواً في مجلس الإدارة من عام 1991 إلى عام 2001، الأمر الذي يخبرنا إلى حد كبير طريقة التفكير التي يعتمدها مركز الأبحاث هذا.

في الحقيقة، الأمر لا يحتاج بالنسبة لهم سوى التفكير في “إدامة الهيمنة”، وإذا انضمت الهند إلى تحالف عسكري مع روسيا ضد حلف الناتو، فسوف يزعم هؤلاء الأشخاص أن حكومة مودي تتخذ موقفاً معادياً لهم.

وبحسب مزاعم استطلاع نشره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يتحد الأوروبيون مع أوكرانيا ضد روسيا، ويقول إيفان كراستيف ومارك ليونارد اللذان أعدا التقرير، بأن استطلاعاً جديداً يثبت هذا التضامن الذي لا ينكسر، مضيفين أن “الأمريكيين والأوروبيين متفقون على أن روسيا هي خصمهم المعلن”. في الواقع، يضع استطلاع المجلس الأوربي المظاهرات الجماهيرية والواقع جانباً، خاصة وأن قيام قوات البحرية الأمريكية بتفجير خط غاز “نورد ستريم” من روسيا إلى ألمانيا، وارسالهم الدبابات والصواريخ والذخيرة والمرتزقة للقتال والموت في أوكرانيا، يؤكد كذب هؤلاء، ولو كان هناك  استطلاع أكبر وأكثر توازناً لأظهر أن الأوروبيين يعارضون بشدة استمرار الصراع في أوكرانيا.

من المؤكد أن عالما متعدد الأقطاب يتطلب نوعاً مختلفاً تماماً من السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وليس أحادي الجانب. وهنا من الواضح أن العلاقات الرسمية الهندية الروسية تأخذ مسارها الصحيح، وعلى ما يبدو أن أحداً لم يخبر كبار المفكرين في العواصم الغربية حول التعاون الدفاعي بين الهند وروسيا، والاجتماعات بين شركات الأدوية الروسية والهندية، أو حول زيادة نسبة 400٪ في الواردات إلى الهند من روسيا خلال الـ 12 شهراً الماضية، وإعلان روسيا والصين أن “نظاماً جديداً متعدد الأقطاب” الشهر الماضي في قمة البريك، وفي قمة منظمة “شنغهاي” للتعاون.

بينما يحاول “مثاليو” الحرب الباردة الغربية التركيز على العلاقات العدائية السابقة بين الهند والصين، فإن الحقيقة هي أن الهند أصبحت قطباً رئيسياً في السياسة العالمية. لذا فإن واشنطن والمتعاونون معها يرغبون دوماً في دق إسفين جديد بين هذه الدول الآسيوية لتحريف الواقع لبضعة عقود قادمة. اليوم، لا ينبغي القول أن واقع الحال يختلف عما كان عليه خلال العقود الماضية.