عيد الفصح المجيد.. بين الطقوس الدينية والعادات المتوارثة
القامشلي – كارولين خوكز
من أهم وأكبر الأعياد لدى المسيحيين على مختلف طوائفهم. يحيون فيه تذكار قيامة السيد المسيح وانتصاره على الموت، ولهذا يعرف العيد باسم “عيد القيامة” (العيد الكبير)، وعيد “فصح” يحمل معنى عبور السيد المسيح من الموت إلى الحياة “القيامة”، وهذا العبور هو أساس العقيدة الدينية عند المسيحيين كافة، كما تحدث لـ “البعث” الأب صليبا عبد الله، مضيفاً أن اسم “العيد الكبير” يُطلق على هذه المناسبة كونه أكبر الأعياد وأهمها في حياة المسيحيين الدينية والاجتماعية. ويحلّ العيد في فصل الربيع في الفترة ما بين 22 آذار و 25 نيسان من كل عام، وهو من الأعياد المتنقلة، رغم وجود أعياد كثيرة ثابتة التواريخ عند المسيحيين.
الفصح في التقاليد “بيض العيد”
وأوضح الأب صليبا: إنها عادة قديمة جداً اتخذها المسيحيون في الشرق والغرب، وكانت هذه العادة دارجة لدى شعوب أخرى قبل ظهور الديانة المسيحية وانتشارها في العالم؛ فالكنعانيون، الذين استوطنوا فلسطين وسواحل لبنان وسورية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، اتخذوا البيضة رمزاً لعودة الحياة إلى الطبيعة في فصل الربيع، بعد أن تكون هذه الحياة رمزياً قد ماتت في فصل الشتاء، فكانوا يحيون احتفالات دينية وشعبية يتهادون خلالها البيض رمزاً لهذه العادة.
ولقد كشفت الحفريات الأثرية في منطقتي الكرمل والحولة في فلسطين، وأوغاريت في سورية عن قبور ونواويس فخارية صنعت بهيئة بيضة كانوا يُسجون فيها جثة الميت مطوياً، كما يكون الجنين في بطن أمه، اعتقاداً منهم أنه يعود من حيث أتى بالطريقة نفسها.
وبعد ظهور المسيحية وانتشارها، انتقلت عادة استعمال البيض إلى عيد الفصح، لتتخذ معاني مسيحية تختلف عن تلك التي كانت منتشرة وقائمة في الديانات الوثنية كالكنعانية، ويفيدنا التاريخ المسيحي أن الملوك والأمراء كانوا يوزعون البيض على فقراء وبسطاء الشعب أثناء موسم عيد الفصح، ولم يتخلف عن هذه العادة الخلفاء والأمراء المسلمون في مصر وسورية والعراق أثناء حكم الدولة العربية الإسلامية، بل إنهم اتبعوها في مراكز حكمهم.
المصافحة والمصالحة
وتابع الأب الكاهن صليبا: هذا التقليد في أساسه ديني، إذ أنه أثناء الصلاة، خلال قداس العيد، يتقدم الكاهن حاملاً بين يديه الإنجيل المقدس، ويقف أمام الناس الذي يُقَبّل كل منهم الإنجيل، علامة على المصالحة مع الله، ولقد انتقل هذا التقليد الديني إلى الأوساط الشعبية، إذ دأب أصحاب الشأن ووجوه القوم على مصالحة المتخاصمين في هذا اليوم بالذات، لأنه يوم المصالحة ويوم السلام ومبعث الحياة.
وقال صليبا: درجت العادة، وما زالت قائمة في بعض الأوساط المسيحية، على القيام بمعايدة الناس بعضهم البعض من خلال زيارات قصيرة يقدم فيها أصحاب البيوت كعك العيد والبيض المسلوق، ومنهم من يُقدّم النبيذ مع الكعك والمعمول. وتكون المعايدة بقولهم: “المسيح قام”، فيجيب أصحاب البيت “حقًا قام”، ولا حاجة للمعايدة العادية التقليدية “كل عام وأنتم بخير”، رغم أن كثيرين يستعملونها.
حلويات العيد
وتحدثت روز ميري شلبي (خريجة آثار ومتاحف): ما يميز حلويات هذا العيد أنها محصورة في شيئين أساسيين، هما الكعك “الكليجة” والمعمول، رغم أنه حديثاً ازدادت أشكال التفنن في صنعها وتصميم شكلها، ولكنها تبقى ضمن إطارها الأصلي. فعادة صنع “الكليجة” السادة و المحشوة بعجوة التمر قديمة في الأوساط المسيحية، وخاصة في منطقة الجزيرة متوارثة من الأجداد، فكعك العيد “الكيجة” مصنوع من طحين القمح والسمنة. والكليجة هي مزيج من المحلب وحبة الشمرة وحبة البركة والقرفة وجوزة الطيب، والحشوة التمر أو الجوز وتضغط بقالب من الخشب (على الأغلب يكون منقوشاً). ومن المعروف أن جميع أنواع الحشو لا تزال متبعة إلى اليوم. وكانت العادة أن تجتمع نساء الحارة قبل عيد الفصح بأسبوع على الأقل (وهو ما يعرف بأسبوع الآلام) في بيت إحداهن، ويبدأن بعملية عجن وخبز الكليجة والمعمول. وطبعاً لكل واحدة منهن خبرتها واجتهادها في تقدير الكميات، وكذلك هذه مناسبة جيدة لتبادل أطراف الحديث ومعرفة أخبار البلد والجيران. ثم ينتقلن في اليوم التالي لبيت آخر، وهكذا إلى انتهاء الأسبوع، حيث تكون كل ربة منزل قد أعدت حاجتها من الحلويات للعيد. ولفتت شلبي إلى تغيير بعض العادات بسبب سنوات الحرب الطويلة على البلد وتراجع الوضع الاقتصادي وهجرة الكثير من العائلات.
بدورها، ذكرت سيفان بيدروس (ربة منزل) بعض العادات القديمة، حيث اعتادت الأسر، منذ القدم وحتى يومنا هذا، إرسال وعاء يحتوي كمية من الكليجة والحلويات الأخرى إلى العائلات التي فقدت أحد أفرادها خلال العام.
أكلات العيد
وتابعت بيدروس: توجد أكلات خاصة ومميزة لهذا العيد، وما تزال، بعض الأكلات المعروفة بهذه المناسبة مثل الكبة اللبنية والدوبو (الروستو) مع الأرز، وكذلك حشوة الأرز والدجاج المسلوق ثم القلي بالسمن أو المتبل بأنواع مختلفة من التوابل التي تضيف طعماً لذيذاً.