من الدرجة الأولى!
بشير فرزان
لا شك أن الاقتراب من الواقع أكثر وملامسة حقائقه يستوجب الاعتراف بأنه لم تسلم أي مادة من التزوير والغش، بحيث باتت الشكوك تدور حول غالبية المواد المطروحة في الأسواق على اختلاف موادها، وخاصة أكثرها تأثيراً على حياة المواطن كأسواق المواد الغذائية بشكل عام، واللحوم والألبان بشكل خاص، وعمليات الغش فيها ليست بالأمر السري وباتت طرقها معروفة لدى الناس. ولا شك أن تفاقم هذه الحالة لتصبح الممارسات بشتى أنواعها وإشكالها موجودة بالعلن، وعلى مرأى الجهات الرقابية، وبشكل يجعل منها قضية من الدرجة الأولى لا تقلّ أهمية عن القضايا المعنونة بالأمن الغذائي وسلامة غذاء المواطن، خاصة وأن الواقع بكل ما فيه من حقائق مؤلمة يقذف بالكلام المتواصل عن تشديد الرقابة التموينية على هذه الأسواق إلى الزوايا الضيقة، وهذا ما يستدعي التنبيه والتحذير من عدم بسط سلطة القانون على الأسواق من كافة النواحي.
ومن المؤلم أيضاً أن تتحول الآراء والتكهنات بعدم الجدية في المحاسبة، وغياب الرقابة والتقاعس في أداء المهمة الرقابية إلى قناعات ثابتة لدى المواطن، لا تنسف الثقة فقط، بل تهدم كافة أشكال التواصل والتعاون مع هذه الجهات التي تعيش اليوم امتحاناً حقيقياً عنوانه الحفاظ على صحة الناس. وللأسف، فإن التشخيص هو الشيء المتوفر والسائد فيما يتعلق بالرقابة، حيث اعتادت وزارة التجارة الداخلية تقديم نفسها في هذا المسار، وكان الحلّ الوحيد المتوفر على طاولات الجهات المعنية، التي تشهد سباقاً في مضمار التحليل والتفسير وشرح الأسباب وتفنيد طرق وأساليب الغش، ومن ثم الوصول كالعادة إلى نقطة البداية ذاتها، المتمثلة بعقد المزيد من الاجتماعات وتكثيف المراسلات مع الجهات الأخرى لتحديد العوامل المؤدية إلى تأزم واقع الأسواق وانتشار الغش فيها.. ولكن يبقى هذا الحراك دون نتائج واضحة على أرض الواقع، كونه حراكاً معوقاً وعاجزاً عن تطبيق إجراءات حقيقية رادعة بحق الغشاشين الذين يطعمون الناس كل ما يضرّ بصحتهم ويستنزف أموالهم، فكثرة الأمراض واختلاف حالاتها المنتشرة في الحياة يحيد الإجراءات التي توصف بالاحترازية في الكثير من الأسواق التي تشهد المزيد من الانتكاسات والمفاجآت التي تنتهي دائماً بالتخدير العام، دون أن يطال مبضع المساءلة والمحاسبة أي مخالف، فهل ستكون الرقابة أكثر فاعلية في المرحلة القادمة من خلال تغيير نهج العمل وضبط المخالفات وتفعيل الدور؟!