العدوان “الإسرائيلي” وفصح سورية
أحمد حسن
باختصار هي المعادلة ذاتها التي يعود كل عدوان صهيوني ليذكّر بها، ومفادها: “لا مستقبل طبيعياً للمنطقة في ظل الاحتلال ولا مكان للاحتلال في مستقبل طبيعي للمنطقة”.
ولأن “إسرائيل” وأمريكا تعرفان هذه المعادلة جيداً وتؤمنان بصحّتها فقد عملتا بجدّ، لا بد من الاعتراف به، على “تبيئة إسرائيل” وجعلها دولة “طبيعية” و”ضرورية” في المنطقة عبر أساليب أصبحت معروفة للجميع، منها اتفاقات السلام المزعوم بعد خلق وعي مضاد بتميّزها وعدم القدرة على مواجهتها، ومنها، خلق وعي “مفوّت” لدى العرب عبر إيقاظ عصبيات “داحس والغبراء” لإشغالهم بحروب بينيّة فيما بينهم، وإتباع ذلك بمحاولة تكريس وعي زائف عمّا يحصل ربما كان أحدث مثال له ما قالته بالأمس صحيفة “إسرائيلية”، وحرفياً: “لا تزال سورية تهدّد القوات الأميركية في قاعدة التنف في سورية قرب الحدود الأردنية والعراقية!”، ليصبح الاحتلال، بهذا المفهوم المضلل، هو الحالة الطبيعية ومقاومته المشروعة، بكل المعايير السماوية والأرضية، هي الأمر النشاز، أما مصير من يبقى ممسكاً بجمرتها وفكرتها فهو ليس أقل من الاتهام بالإرهاب والنبذ والعقوبات والحصار.
بيد أن ذلك ما كان له أن يستمرّ إلى الأبد، وخاصة في ظل زلزال التغيّر في المواقع العالمية للقوى الكبرى، وكان لا بدّ من وصول ارتدادات ذلك إلى المنطقة، وبالتالي حصول تغيير في النظام الإقليمي الذي نشأ نتيجة الحرب العالمية الثانية وحاولت واشنطن إعادة صياغته على مقاسها وحدها بعد غزو العراق عام 2003، كما كشفت شروط كولن باول، إثر زيارته الشهيرة لدمشق في تلك المرحلة، وكان رفض دمشق لها أحد أهم أسباب ما حدث في العقد الثاني من القرن الحالي بهدف إسقاط سورية وتغيير دورها وموقعها، لكن صمودها وتزامنه مع الفشل الأمريكي في الاحتفاظ بالزعامة الأحادية عالمياً، دفع الجغرافيا الطبيعية والسياسية كي تتحرّك في كل مكان، وهذا أمر لا يمكن له أن يمرّ دون أن يترك ارتداداتٍ هائلة في الداخل “الإسرائيلي” نتابع تفاصيلها يومياً، لأنه “داخل غربي، أمريكي أيضاً، ويتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث هناك”.
بهذا الإطار فقط، نفهم ما يحدث في القدس من استفزازاتٍ صهيونية متتالية، كما نفهم العدوان الإسرائيلي المتجدّد على سورية باعتبارهما محاولة لتصدير هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الكيان وجعلها لحظة حرجة لكامل المنطقة التي تشهد بروز حالة وفاق ستكون حكماً على حساب هذا الكيان المصطنع، بينما دمشق، وهي مَن هي في الصراع العربي الصهيوني سياسياً وعسكرياً وحضارياً وهذا الأخطر، ترسّخ يومياً قيامتها المؤكّدة من محنتها بعد فشل إخضاعها بالإرهاب والحصار الاقتصادي.
وهكذا، وبينما سورية ترتدي لباس الفصح، وهو عيد سوري بالدرجة الأولى، جاء العدوان “الإسرائيلي” في محاولة متجدّدة لإعادة صلبها، لكن الموقف السوري العملي قال بلسان عربي بليغ: هذا “فصحنا” والقيامة حقّ آتٍ لا ريب فيه.