التقزم الغذائي انعكاس للأوضاع الاقتصادية.. والنسبة وصلت إلى 12.6% حسب وزارة الصحة
دمشق – لينا عدره
أكدت الدكتورة سحر إدلبي، أمين سر جمعية أطباء الأطفال السورية، واستشارية الغدد والنمو والسكري والتغذية عند الأطفال في مشفى الأطفال سابقاً، رصد حالات من “التقزم الغذائي” بسبب عدم حصول الطفل على كفايته من الغذاء الصحي والضروري، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة، مؤكدةً أن المسح الذي أجرته وزارة الصحة في العام 2019 (دراسة سمارت) بيّن أن نسبة التقزم (أي قصر القامة الشديد) وصلت إلى 12.6%، وهي من النسب العليا عالمياً.
ولفتت إدلبي إلى أن السبب الأهم لقصر القامة في بلادنا هو سوء التغذية في مرحلة الطفولة الأولى، ذلك أن تأثير الغدد على طول القامة لا يشكل سوى 5% من الأسباب، كما أن الأسباب الوراثية، وعلى الرغم من تأثيرها المباشر، لا تؤثر إلى الدرجة التي يكون فيها طول الطفل تحت المعدل بفارقٍ كبير، ما يؤكد أن نقص النمو يتأتى بفعل ضعف التغذية، وعدم تأمين الاحتياجات الأساسية للطفل، من نمو سليم وطاقة ومناعة، خاصةً إذا لم يستوفِ الطعام جميع العناصر الضرورية، أو اقتصر على نوع معيّن من العناصر الغذائية، أو ما ما تسميه بـ “الجوع الخفي”، وهو الظاهرة التي تتمثل بحشو البطن بدون أية فائدة، بحيث يبلغ الطفل حدّ الإشباع ولكن دون حصوله على العناصر الضرورية اللازمة لنموه، جرَّاء تناوله طعاماً غير صحي، يُشعره بالشبع فقط ويمنحه بعض الطاقة، ولكن دون التمتع بأي نموٍ حقيقي، لتبقى الخطورة ماثلة في ظاهرة “صامتة” تغيب عنها أي من المظاهر التي توحي بإصابة الطفل بمرضٍ ما، ولكنه لا يشكو من شيء ما، ولا يشعر بأية آلام أو أوجاع.
وأوضحت إدلبي بأن سوء التغذية نوعان: سوء تغذية حادٍ ومفاجئ تساهم عدة عوامل بوجوده، فقد يتزامن مع إصابة الطفل بوعكة صحية طويلة، رغم تمتعه بصحة جيدة قبل مرضه، أو يأتي نتيجة تأثير الكوارث الطبيعية أو الحروب وما تسبّبه من فقدان للمواد الأساسية والضرورية وما يتبع تلك الكوارث من فقرٍ شديد يؤدي لعدم حصول الأطفال على الغذاء، لنكون أمام شريحةٍ كبيرة من الأطفال تعاني من هزالٍ شديد ويلزمها الكثير من الوقت والجهد للعلاج، أما النوع الثاني فيقتصر على تقديم طعام طبيعي ولكن من دون أي منفعة تُذكر، لعدم استيفائه الزمر والعناصر اللازمة من بروتينات وفيتامينات ومعادن، واقتصاره على إمداد الجسم بالطاقة اللازمة، وهو ما يُطلق عليه علمياً “سوء التغذية المزمن” أو “التقزم الغذائي” الذي يستتبع نقصاناً في الوزن والطول، والنتيجة على المدى البعيد مناعة ضعيفة وقدرات عقلية وجسدية أقل.
وشددت إدلبي على أن السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل هي الأهم لجهة التغذية كونها من أهم المراحل التي ينمو فيها الطفل، ولأن أية خسارة قد يخسرها في تلك المرحلة سيصعب علاجها أو تعويضها، وهو ما بينته أيضاً مخططات النمو المعنية بمراقبة أطوال الأطفال في بلادنا والتي أظهرت أن الطول المثالي لأطفالنا أقل من اللازم.
وكشفت إدلبي أنهم كجهات طبية توصلوا لاستنتاجٍ عبر التواصل مع الأهالي بأن التغذية التي تلقاها الأطفال في مراحل عمرهم الأولى كانت سيئة، إن كان لجهة الإرضاع الطبيعي أو لجهة التغذية التكميلية التي يجب أن يحصل عليها الطفل بعد عمر 6 أشهر، لعدم جدواها وافتقارها للمعادن والطاقة، كأن تكتفي بعض الأمهات بإعطاء أطفالهن خبزاً وشاياً، وهو نمطٌ في التغذية شائعٌ جداً ونلحظه بوضوح في مجتمعاتنا.
لذلك، تشدّد إدلبي على ضرورة وأهمية الالتزام بالرضاعة الطبيعية لأنها غذاء مثالي لا يمكن مقارنته بأي نوع من أنواع الحليب يؤمّن كل حاجيات الطفل الأساسية من الغذاء، ومن دون أي إضافات، وخاصة في الأشهر الستة الأولى، مؤكدةً على الاستمرار بالإرضاع الطبيعي وصولاً لعمر سنتين، لتعويض ما أمكن من الحليب، وخاصةً في ظلّ فقدانه وارتفاع أسعاره، والتشديد على ضرورة حصول الطفل على التغذية التكميلية قدر الإمكان من خلال تقديم وجبات صغيرة من البروتين والاستعاضة عن البروتين الحيواني في حال عدم تمكننا من شرائه بالبروتين النباتي “بقول وحبوب” كونها تحوي القيمة الغذائية ذاتها، إضافة للفيتامينات من الخضار الخضراء كالسبانخ والبقلة والجرجير الغني بالحديد وفيتامين c والحرص على تقديمها حتى مع صعوبة وضعف الإمكانيات لأن تغذية الطفل أهم من أي شخص آخر، على حدّ تعبيرها.
وتؤكد إدلبي في ختام حديثها أنه وعلى الرغم مما تقدّمه المنظمات الدولية في المراكز الحكومية من مواد داعمة للنمو كمسحوق الفيتامينات وزبدة الفستق، وخاصةً خلال مراحل الطفولة الأولى، إلا أننا نحتاج لجهودٍ كبيرة وتكاتفٍ من قبل جميع المعنيين، لأننا أمام حالاتٍ مرضية للوقت تأثيرٌ كبيرٌ ومباشر في علاجها.