هل عاد ماكرون بكين خالي الوفاض؟
ريا خوري
اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة ٧ نيسان الجاري، زيارة رسمية إلى الصين استمرت ثلاثة أيام، التقى خلالها نظيره الصيني شي جين بينغ، وعدداً من رجال الأعمال والاقتصاد من كلا البلدين. وتعهّد الجانبان، في إعلان مشترك، بالعمل الجاد نحو الدفع من أجل إحلال السلام في أوكرانيا، وتعزيز المحادثات رفيعة المستوى بين البلدين، والعمل الجاد معاً بشأن التحديات العالمية المستقبلية .
وعلى الرغم من الحديث المطوّل عن مكاسب تجارية واقتصادية حققها الطرفان، إلّا أنّ ملف الأزمة الأوكرانية الساخن تصدّر المحادثات، حيث قال ماكرون في المؤتمر الصحفي المشترك: “أعلم تماماً أنه يمكنني الاعتماد عليك لإعادة روسيا إلى جادة الصواب والجميع إلى طاولة المفاوضات لإحلال السلام”. هذه العبارة اعتبرها عدد كبير من زعماء وقادة العالم والمحللين السياسيين أنها استجداء فرنسي واضح في تعليقهم على مخرجات زيارة ماكرون إلى بكين.
قال وان زانغ، الخبير في العلاقات الدولية، بمركز “تايبيه” للدراسات السياسية: لاشك أن الصين هي المستفيد الأكبر من الزيارة، باعتبار أنها حقّقت عدّة أهداف، سواء على المستوى التجاري والاقتصادي أو السياسي، ولكن في ما يتعلق بالمكاسب السياسية، استطاعت الصين تقديم نفسها على أنها لاعب قوي ومهم في الساحة الدولية، وأنها العنوان الأقوى والأبرز لتذليل العقبات التي عجزت عنها القوى الغربية الأوروبية – الأمريكية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال استجداء الرئيس الفرنسي ماكرون نظيره الصيني، وحثّه أمام الإعلام بصورةٍ غير مألوفة في السلوك والأعراف الدبلوماسية لوقف الحرب الساخنة.
ربما كانت هذه اللقطة الأبرز في الزيارة التي لفتت أنظار العالم، لأنها عكست حالة العجز الذي أصاب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في الغرب الأوروبي، وفي المقابل، لم تقدّم الصين رداً واضحاً وصريحاً، ولم يلزم الرئيس الصيني نفسه بأي ضمانات لإنهاء تلك الحرب، ما يعني أن ماكرون وأورسولا فون دير لايين رئيسة المفوضية الأوروبية غادرا الصين خاليي الوفاض، في حين أنّ الإعلام الرسمي الصيني استثمر في الزيارة الكثير لتسويق تحوّل الصين إلى مرجع دولي في حل الأزمات الكبيرة الخانقة، حتى من ألد أعداء البلاد: الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون.
ويبدو أن الرئيس ماكرون لم يتمكن من التحدث بصوتٍ مرتفع مع القيادة الصينية بشأن قضايا يعتبرها حسّاسة مثل التوترات في مضيق تايوان، وملف حقوق الإنسان، كما أنّه لم يحصل على ضمانات صينية نهائية بشأن الأزمة الأوكرانية الساخنة، لذلك انصبّ تركيزه الأساسي على تعزيز التبادلات التجارية والتعاون الاقتصادي بين فرنسا والصين، وهو ما مثل خيبة أمل لمعظم القوى الغربية.
جميع السياسيين الصينيين يجمعون على أن الصين منفتحة على لعب دور بنّاء في حلّ الأزمة الأوكرانية الساخنة، وأنها مستعدة للعمل مع فرنسا من أجل تعزيز محادثات الأمن والسلام، وتحقيق تسوية سياسية بين الأطراف المتنازعة.
الزيارة الفرنسية الأوروبية إلى بكين لم تكن موفقة، على الرغم من محاولات تهوين وتقليل الخلافات البينية، لكن بكين لا تثق في السياسات الغربية الأوروبية المتحالفة ضد الصين وروسيا. ففي وقت كان الرئيس ماكرون و رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين جالسين مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، كان التوتر على أشده بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية حول جزيرة تايوان والبر الصيني، إذ اندفعت قوات صينية في مناورات بحرية واسعة النطاق حول الجزيرة التي تطالب بها الصين وتدعمها الولايات المتحدة الأمريكية. ويعرف المسؤولون الصينيون أن نظراءهم الغربيين يوزعون الأدوار بين بعضهم بعضاً، وهي لعبة سياسية مفضوحة، وينقسمون في الأزمات إلى صقور وحمائم ووسطاء “نزيهين وطيبين”، من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة.
إذا كانت هناك نتيجة لزيارة الرئيس الفرنسي إلى الصين، فقد أثبتت أن العالم قد أصبح متعدّد القطبية فعلاً، وأن الصين، التي بقيت لعقود طويلة منكفئة خلف حدودها وفي إقليمها، لم تعد كذلك الآن، وهي مثلما تستحق تريد أن يكون لها دور كبير في استقرار العالم وحماية القانون الدولي التي أقرته الأمم المتحدة، ولا تريد أن تكون أداةً بيد الغرب الأوروبي – الأمريكي كي تجبر روسيا على وقف حربها في أوكرانيا، كما لا تستطيع أن تمالئ الأوروبيين المراوغين، وتتغاضى عما تعتبره استفزازات من الأمريكيين حول جزيرة تايوان والبر الصيني وبحر الصين الجنوبي.