تحقيقاتصحيفة البعث

الخلل بالتطبيق.. حادثة “تهجم سيدتين على شرطي” تثير الجدل حول قوة القانون!

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مقطعٌ مصورٌ لتهجم سيدتين على شرطي مرور أثناء قيامه بواجبه في وضح النهار، لتقوم السيدتان بالشتم والتلفظ بكلمات مسيئة بحجة أنه عرقل حركة سيرهما، ضاربتين بعرض الحائط القانون والعقوبات التي من المفترض أن تطبّق عليهما إزاء هذا السلوك.

ولاقى “المقطع” مئات الآلاف من التعليقات المتضامنة مع الشرطي، ولاسيّما أن السيدتين توعدتا بإيذائه وزجّه في السجن لأنه حاول تطبيق القانون عليهما وحاولتا التوضيح له بأن القانون لن يسري عليهما كونهما – من وجهة نظرهما – من طبقة لا تخضع لسلطان القانون، الأمر الذي قوبل برفض كبير من المواطنين الذين كانوا شهوداً على الحادثة ومن باقي شرائح المجتمع التي شاهدت الحادثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدين على ضرورة تطبيق القانون بحق هاتين السيدتين وبحق كلّ من يخالف القانون، وأثارت هذه الحادثة الكثير من التساؤلات حول الخلل الكبير في علاقة المواطن السوري بالقانون وما يشوبها من ثغرات كبيرة وتجاوزات كثيرة، وخاصّة مع استغلال شريحة معينة فترة الحرب والفوضى التي رافقتها وعدم خضوع الكثيرين لحكم القانون ومحاولتهم الاستمرار على المنوال نفسه بُعيد انتهاء فصول الحرب.

عقوبة

ويُجمع أهل القانون على ثبوت جرم القدح والتحقير ثبوتاً مطلقاً بسبب وجود تهديد من قبل السيدتين للشرطي، ويرى المحامي معاذ عجلوني أنه في حال إسقاط الشرطي لحقه سيبقى الحق العام، علماً أن العقوبة في هذه الحالة هي السجن ستة أشهر على الأكثر ويتمّ تشديدها لأنها حصلت بحق موظف عام. ولفت عجلوني إلى أنه في حال ثبت أثناء التحقيقات وجود مقاومة فعلية أو سلبية من قِبل السيدتين للشرطي الذي كان يقوم بممارسة عمله فينصّ القانون على جريمة أخرى عقوبتها من شهر إلى ستة أشهر، وفي حال كانت المقاومة بالعنف فالعقوبة هي السجن الذي يمتد لسنتين، وتضاعف العقوبة في هذه الحالة إذا كان الفاعلون اثنين فأكثر.

تفعيل القوانين

المحامي عجلوني نفى وجود ضعف في أي من القوانين السورية، إلّا أن التساهل في تطبيقها في الكثير من المطارح وضع بعض المواطنين في كفّ المخالفة والتجاوز والتحايل عليه، ويرى أن اتباع السلوكيات الإيجابية واحترام القانون سلوك ينشأ بالتربية والالتزام، ويجب أن يكون نابعاً من داخل الفرد واقتناعه بأن ذلك الالتزام يعكس روح الانتماء ويحقّق المصلحة العامة للمُجتمع، ولتحقيق كل ذلك يجب تفعيل القوانين ومعاقبة المخالفين بما يحقّق الردع المطلوب، كذلك تطبيق القانون على الجميع دون استثناء حتى لو كانت جهة حكومية، إضافة إلى الوعي المجتمعيّ.. فإذا كان المُخاطبون بأحكام القانون مقتنعين بشكل حقيقي بأهمية الإجراءات والقواعد القانونية والغرامات والعقوبات المقرّرة يسهل عليهم الالتزام بها.

تجاوزات بناء

وبالتأكيد لم ولن تكون هذه الحادثة الأولى والأخيرة في بلدنا والتي يتمّ فيها تجاوز القانون، إلاّ أن خروج البلد من حرب حاولت إنهاك جميع قطاعاتها وصولاً لمحاولة التلاعب بالقوانين وتحريض المواطنين على تجاوزها جعل مشاهد المخالفات تزداد حتى بعد انتهاء الحرب، فمخالفات البناء، برأي القانوني أحمد عثمان، ازدهرت وأخذت أبعادها في جميع المحافظات، كما أن تجاوزات القائمين عليها وسمسرتهم مع من يعبّدون الطريق أمامهم للاستمرار بالبناء باتت اليوم أكثر حاجة للحزم وضبطها بشكل جدّي، ولاسيّما مع حالات انهيار الكثير من هذه الأبنية من تلقاء نفسها قبل كارثة الزلزال، ناهيك عن مئات المنازل التي سقطت فوق رؤوس أصحابها نتيجة الكارثة، ويجد عثمان أن تجاوزات القانون التي تحصل في بناء حارات كاملة من المخالفات على عين الجهات المعنية هي اليوم أشد وطأة من أي تجاوز آخر، وفي حال تمّ تطبيق القانون بشكل حقيقي على هذه التجاوزات فمن المفروض أن تتم إزالتها من قبل دوائر الخدمات المختصة وتنظيم ضبط بها وإصدار قرار هدم فوري بها وتنفيذ قرار الهدم وإحالة المخالف إلى القضاء، أما المخالفات التي تمّ بناؤها خلال سنوات الحرب وهي اليوم مستثمرة سواء بالسكن أو التأجير فيجب التدقيق بها لمعرفة تاريخ إنجازها وتنظيم ضبط بها، واتخاذ القرار اللازم من حيث إزالة المخالفة أو الإبقاء عليها فترة معينة لكونها مسكونة وترتيب غرامة معينة في حال عدم الإضرار بالجوار أو غير مشوهة للمنظر العام، وقد حدّد القانون عقوبة بالحبس لمدد مختلفة بحسب المخالفة المرتكبة وتبدأ من شهر إلى ثلاثة أشهر وصولاً إلى 10 سنوات من الأشغال الشاقة وغرامة مالية تصل إلى ثلاثة أضعاف الغرامة في حال انهيار المبنى ووفاة شخص ومضاعفة العقوبة والغرامة في حال تكرار المخالفة.

فوضى عارمة! 

بالتأكيد تحصل مئات التجاوزات للقانون في اليوم الواحد في ظل الهوّة الكبيرة اليوم بين القانون والمواطن، فيتفق مضر سليمان “إدارة موارد بشرية” مع أهل القانون بأن الخلل ليس بالقانون بل بكيفية تطبيقه والتجاوزات التي تحصل من قبل المواطنين المخالفين وصولاً إلى من سيطبّق القانون عليهم، إذ لا زلنا حتى اليوم في حالة تراخٍ مع بعض التجاوزات الحاصلة “جهراً”، في المقابل لا يمكن أن ننكر أنه يتم تطبيق أقسى العقوبات بحق بعض أنواع الجرائم والمخالفات، لافتاً إلى ضرورة تعديل بعض القوانين بما يتناسب مع تطورات العصر، فمن الضرورة إجراء مراجعة شاملة لأحكام القانون لتعديل ما يلزم منها حسب مقتضيات الحاجة والظروف الاستثنائية، مع محاولة تعزيز ثقة المواطن بالقانون، وبالقضاء الذي سيحقق له العدل وحقّه في جميع الأحوال.

ولم ينكر سليمان ازدياد التجاوزات خلال سنوات الحرب وما تلاها، إذ تغلغلت التجاوزات في أدق تفاصيل حياتنا اليومية، لنصل إلى حالة من الفوضى العارمة والتسيب وعدم الانضباط، وهذا ما نلمسه بازدياد نسبة الجرائم والخروج عن القوانين في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن تجاوز القانون ليس وليد الحرب فقط بل هو سلوك تراكمي على مدار سنوات طويلة، لكن الحرب أعطته أبعاداً أخرى ليصل الكثيرين إلى مرحلة تجاوز الخوف من العقوبة، لذا من الضروري اليوم تفعيل “ثقافة احترام القانون”، وهذا يتناسب طرداً مع تشديد التطبيق وعدم التساهل مع كلّ من يقوم بخرقه.

ميس بركات