مجلة البعث الأسبوعية

أنديتنا على مشارف الاحتراف الحقيقي والتراخيص الآسيوية قيد التطبيق الجهل بالاستثمارات يزيد المشاكل الإدارية والمشاريع الصغيرة أحد الحلول

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

الحديث عن تراخيص الأندية ودخولها عالم الاحتراف هو أحد العوامل التي يجب أن تبنى عليها أنديتنا، في كل دول العالم نجد أن النادي له خصوصية اجتماعية، وله دور فاعل في المجتمع، ودوره لا يقتصر على العمل الرياضي وحده، هناك عمل اجتماعي ضخم، فالنادي هو ملتقى العائلات من أبناء النادي وضيوفهم، ونحن لن نذهب بعيداً، ففي مصر عشرات الأندية تعتبر نموذجاً يحتذى به ربما منها وأهمها الأهلي والزمالك.

هل حاول أحد منا الاطلاع على تجربة الأهلي والزمالك الاجتماعية، وما تدر عليهما من أموال من خلال اشتراكات أعضاء النادي ورواده، الأندية في مصر لا يباح بالدخول إليها لغير الأعضاء والمشتركين، وهنا تبدو عملية التفاعل والتناغم بين النادي وجمهوره.

فجمهور النادي يتفاعل مع ناديه عندما يكون مشتركاً في النادي ودافعاً رسوم الاشتراك وهذه الصورة للأسف لم تكتمل عندنا، وحتى الآن لم نجد أي نادٍ يفعل العضوية، فالأندية مباحة للمستثمرين وأصحاب المصالح والرواد، ولا نجد العضو القادر على الاستفادة من كل ما هو متاح في النادي.

في مصر هناك رسم دخول للنادي، قد تكون عبارة عن تذكرة دخول لمرة واحدة أو اشتراك شهري أو سنوي، وعندما تدخل تجد كل شيء أمامك موجود لتقضي أوقاتاً جميلة مع العائلة من المطاعم إلى المولات إلى المسابح وغير ذلك.

نحن لدينا كل المؤهلات ليتحول نادي الوحدة مثلاً ليشبه ناديي الأهلي والزمالك بغض النظر عن أن مساحة الناديين أكبر من مساحة أنديتنا لكن يمكن التقليد والعمل ضمن المنهج الذي سارت عليه الأندية المصرية وقد وصلت إلى درجة متميزة من الاكتفاء الذاتي من خلال المطارح الاستثمارية والاستفادة من كل مواقع النادي بالإضافة إلى دعم محبي الأندية عبر الاشتراكات.

المؤسسة الكاملة

لذلك نحن نفهم من أن المقصود من تحويل النادي إلى مؤسسة كاملة ليستطيع قيادة مشاريعه الرياضية باحتراف كامل وكذلك مشاريعه الاستثمارية، فعندما يكون هناك تناغم بين الأهداف والمال يصبح تحقيق المطلوب أمر وارد بأسهل الطرق.

المؤسسة الكاملة تبيح لكل الأعضاء والموظفين ممارسة دورهم في البناء والإعمار والتطوير بشكل جيد، وعندما تتألف إدارة النادي من مجلس يشرف على كل الموظفين وأصحاب الاختصاص فإن إدارة كل المشاريع ستسير بشكل جيد دون منغصات، وعندما نضع الرجل المناسب في المكان المناسب فحتماً سنصل إلى نتيجة جيدة، على سبيل المثال فإن إدارة المشاريع الاستثمارية يجب أن يقودها رجال مختصون بعالم المال والاستثمار، الآن هذا الجانب من العمل يتعلق بتفاهمات مالية وأسعار السوق وما شابه ذلك، وبالإضافة إلى المختصين الماليين لا بد من وجود اختصاصي قانوني يعطي الضوء الأخضر قبل البدء بأي مشروع وقبل الإقلاع به.

المشكلة في أنديتنا أن رئيس النادي أو المتنفذين فيه (المقصود أي ناد) يقدمون نفسهم على أنهم الأعلم، فلا تجد رئيس النادي يراجع المحامي لأمور قانونية ولا يهتم بمحاسب النادي إلا عندما يكون هناك مشكلة مالية وتحتاج إلى حل.

النادي مثله مثل أي شركة تحتاج إلى جهاز مختص بكل شيء ويبقى رئيس الشركة أو رئيس النادي هو من يرسم السياسات العامة للنادي ويأمر بالتنفيذ ويشرف عليه ولديه الصلاحية للمحاسبة.

التفرد بالقرار هو الذي يضيع على أنديتنا الكثير من الأموال، إنما لجهل بالعملية الاستثمارية أو لسوء إدارة هذه المشاريع، أو لسوء التخطيط، فقد يكون هناك طريقة نستطيع من خلالها رسم معالم جديدة للاستثمار عبر إعادة رسم النادي هندسياً في سبيل الوصول إلى الخريطة الصحيحة والاستفادة من كل زوايا النادي ومساحاته الضائعة وهذا الأمر بحاجة إلى اختصاصيين يقدمون أفضل الحلول وأفضل المصورات التي تخدم النادي شكلاً مضموناَ.

مطارح استثمارية

كل الأندية تملك مشاريع استثمارية حضارية ومتطورة وكبيرة ومردودها مئات الملايين، وكل ناد عندما تزور منشأته تجد المطارح والمشاريع الآتية:

ملعب كرة قدم رئيسي، وعدة ملاعب مكشوفة تستعمل لكرة القدم والسلة والمضرب، ومسبح، ومقصف، ومطاعم، وصالات جيم، وصالات أفراح، وصالات ايروبيك وبلياردو وشطرنج وصالات ألعاب قوة ومحلات تجارية.

وهذا التطور في العمليات الاستثمارية من المفروض أن يعود ذلك على النادي مالاً وفيراً، لكن للأسف نسمع أن الأندية خاسرة بميزان عاجز، وهي مديونة، لذلك ينطرح السؤال التالي: إما الأندية فيها خلل ناجم عن جهل وسوء إدارة فيخسر النادي ويقع في العجز أثناء الموسم الرياضي أو قد يكون هناك سوء تصرف تجاه العمليات الاستثمارية التي تحتاج إلى اختصاصين حتى لا يقع النادي في الغبن أو الخسارة، فالجهل هنا لا يحمي المغفلين، لأن العقود متى أبرمت صارت حقاً مشروعاً للآخرين.

المشكلة التي عانتها كل أنديتنا في هذه الظروف أن الأسعار تغيرت وانقلبت رأساً على عقب منذ جائحة كورونا، هذا الأمر أثر على الرياضة بشكل واضح ومباشر، فالأسعار طارت لكن الاستثمار بقي على حاله، وعلى سبيل المثال: مطعم يدفع بدل استثمار لعام واحد خمسة ملايين ليرة سورية والوجبة التي يقدمها لا يتجاوز ثمنها خمسمئة ليرة، مع تحولات الأسعار صارت الوجبة في هذا المطعم خمسة وعشرون ألفاً، ومع ذلك بقي يدفع خمسة ملايين بدل استثماره بحجة أن العقد شريعة المتعاقدين، وهنا نسأل هل القانون الذي سمح لمستثمر برفع سعر الوجبة أربعين ضعفاً غير القانون الذي لا يسمح برفع سعر بدل الاستثمار؟

ومثله هذه كل المطارح الاستثمارية لذلك غرقت أنديتنا بالعجز لأنها لم تلجأ إلى القانون أولاً، ولأن عقودها الاستثمارية فيها خلل كبير ولو أن هذه العقود كانت ضامنة حقوق النادي المالية والاستثمارية من كل الجوانب ما تعرضت الأندية لمثل هذه الكوارث، لذلك دائماً فإن الشبهات تلف أنديتنا والحديث عن صفقات مشبوهة تكثر في الكواليس، وربما كان ذلك صحيحاً أو غير صحيح لكن المؤكد أن الوقوع بالخطأ ناتج عن سوء الإدارة وبسبب هيمنة الفرد على كل ممتلكات النادي ومقدراته وكل القرارات، لذلك قلنا لابد من العمل المؤسساتي حتى تتكامل صورة النادي وحتى يمارس كل الأعضاء مهامهم، وصولاً إلى عمل ناجح بأقل الخسائر.

المشاريع الصغيرة

دوماً العمل في الأندية يجب أن يكون في الأمور المتاحة والتفكير بتحويل غير المتاح إلى متاح، فمهما حاولت الإدارة فعله واستثماره من مساحة المنشأة فإن هذه المساحات ستنتهي بلا أدنى شك، لذلك لا بد من البحث عن البديل الاستثماري خارج العقارات وما يسمى الاستثمارات الرياضية.

أول مشاريع الاستثمار تعزيز جانب الاشتراك وعضوية النادي وملاحقة الموضوع، في البداية فإن هذا الموضوع غير مطروق ومطروح عند الجماهير، لذلك شد الجماهير إليه بحاجة إلى إغراءات كثيرة وهذه تحتاج إلى لجان اختصاصية تقدم الحلول والطرق التي يمكن جذب الجمهور ليكون عضواً فاعلاً ومشتركاً في منشأته وملاعبه ومسابحه وحاضراً لمبارياته، وهذه الأمور لها ترتيبات عددية، نسمع سباق محبي الأندية فيما بينهم على العدد من باب التفاخر، لكن هذا العدد سواء قلنا يوجد خمسون ألف كرماوي وخمسون ألف أهلاوي، قد يكون هذا صحيحاً، لكن كم واحد من هؤلاء الخمسين ألفاً له عضوية في النادي ويساهم في نشاطاته ومؤتمراته وفعالياته.

نحن نتمنى التحول من العضو السلبي إلى العضو الإيجابي، فيكون مشجع النادي على طول الموسم وفي كل مكان للنادي وليس وقت المباريات نتابعه عبر الشاشات.

وهناك الكثير من المشاريع التي تعزز قدرات النادي المالية عبر الإعلان والدعاية الرعاية، ويمكن إنشاء استثمارات مع شركات الهواتف المحمولة أو برامج ذات طابع رياضي مع القنوات الرياضية، ويمكننا أن نتابع برامج المنوعات وكم تدر على منظميها من أموال عبر الاتصالات فقط.

أيضاً يمكن تقليد كل الأندية بالعمل على استثمار شعار النادي بالتجهيزات الرياضية التي يمكن أن تباع للجماهير أو بعض المنتجات الخدمية.

كل ما نتكلم عنه يهم الأندية وكلها مشاريع على الورق وأفكار قد يتناقلها البعض، ولكن هل يفكر أحد بتفعيل هذه الأفكار والبدء بها، أم إن إدارات الأندية سيبقى همها محصور بما تستفيد من النادي بأقل جهد؟

الفكر الرياضي

وحتى لا نكون بعيدين عن أصل وجود الأندية وهو رعاية الرياضة وبناءها، فإن الحديث عن المال والاستثمار هو من باب إيجاد الموارد المالية الكبيرة لدعم الرياضة وتطوير ألعابها، لذلك إلى جانب وجود اختصاصيين في كل المجالات بالأندية فإنه من باب أولى وجود اختصاصيين رياضيين يعرفون كيف يقودون الألعاب الرياضية نحو النجاح، اتحاد كرة القدم فرض على الأندية وجود مدير فني ضمن الآليات التي وضعها الاتحاد الآسيوي.

والمدير الفني المطلوب ليس أي كلام، بل هو كروي خبير يملك أعلى الشهادات الفنية وقادر على وضع استراتيجية عمل وخطط لكل فرق النادي بدءاً من الاكاديميات وصولاً إلى فرق الرجال، وقادر على تسيير المركب نحو الشواطئ الآمنة.

المشكلة التي تعترض الأندية في التطبيق هو عدم وجود هذه الخبرات في أغلب الأندية وهذا يقودنا إلى ضعف كرتنا في كوادرها الخبيرة المتمرسة، فليس كل مدرب قادر على أن يكون مديراً فنياً، وهذا الأمر يلفت النظر إلى ضرورة العمل على تطوير مهارات مدربينا الذين نعتقد أنهم يصلحون ليكونوا مدراء فنين.

كلما اتجهنا نحو الاحتراف الحقيقي كلما وجدنا أن كرتنا غارقة بالجهل على كل الأصعدة وليست كرتنا وحدها التي تفتقد الخبرات بل كل ألعابنا الرياضية.