الثقافة والإعلام وتكاملية الرسالة
سلوى عباس
رغم الخلط ما بين السوشال ميديا والإعلام، ما زال هناك من يضع مسألة التكاملية بين رسالة الإعلام والثقافة قيد النقاش.. هذا الموضوع الذي تشارك النقاش فيه مجموعة من الإعلاميين والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث هناك من يرى ان الإعلام هو وسيلة لتزويد الناس بالأخبار والمعلومات والحقائق التي تساعدهم في تكوين فكرة أو رأي ومخاطبة الرأي العام والتأثير فيه، ويقوم بإيصال الرسائل التي تنقل الثقافة إلى جمهور عريض لتنمية اتجاهات وأنماط سلوكية معينة، وأن العلاقة بين الإعلام والثقافة فتنطلق من دور الإعلام في التنميط الثقافي الذي يتم باستغلال ثورة الاتصالات العالمية، حيث بلغ الإعلام حالة من الأهمية والخطورة في آن معاً لما له من تأثير بالغ في تأليب الرأي العام حتى على الثوابت الاجتماعية والفكرية والمفاهيم المختلفة، فالمضمون الثقافي الذي تحمله الوسيلة الإعلامية سرعان ما يتغير، لا بسبب مصداقيتها فحسب بل بسبب تعدد هذه الوسائل، فالإعلام هو ناقل للثقافة ومعبّر عنها بصورها المتعددة ووسيلة مهمة وضرورية لنشر الثقافة، لذلك علاقة الإعلام والثقافة علاقة وثيقة ومتينة، وهما وجهان لعملة واحدة، إذ أن الإعلام يعكس الثقافة العامة للمجتمع، لذلك يجب أن تكون الصحافة عامل احتضان للثقافة فوسائل التواصل ليست دائماً ناقلاً للثقافة، وفي المرحلة الأخيرة كانت الصحافة بشكل عام حكراً على مجموعة من الناس، والتلفزيون كان على قطيعة مع المثقف، أي كان هناك قطيعة بين الصحافة والثقافة. ومن الضروري أن يكون الإعلام وسيلة تقدم المثقف السوري وتنمي الشخصية الثقافية، وأن تهتم بالثقافة بوضع مشروع كامل لإنهاء القطيعة وفتح النوافذ، فالقطيعة بين المثقف والمتلقي يعني انعدام الثقافة التراكمية والثقافة الجماعية والمساهمة في التخلف.
وهناك رأي آخر يرى أن الثقافة هي المنقذ للإنسان لاسيما في الحروب والأزمات، فلا إعلام بلا ثقافة ولا ثقافة بلا إعلام، فما من شيء في الإعلام إلا وهو مرسل ونتاج ثقافي فهي علاقة جدلية والفصل بينهما، شئنا أم أبينا، هو لضرورات عملية، وعندما ابتعدت الثقافة عن الإعلام فقدت تأثيرها، وعندما تخلى الإعلام العربي عن الثقافة صار إعلاناً، فالصحافة بدأت ثقافية وأول صحيفة سورية صدرت بدمشق كانت رسمية، ومشاكل الإعلام الثقافي كما رآها النقاد هي المبالغة في التعكز على شاعرية اللغة، وتحول بعض الصحفيين الثقافيين إلى مثقفين نفعيين فيأتي خطابهم معلباً وذا لغة جافة جامدة، والانفصام الذي يعيشه الصحافي فيكتب ما لا يعكس رؤيته وقناعاته، إضافة لعدم تمييز بعض الكتاب بين أساليب الصحافة الأدبية، وكذلك التنامي المتعاظم لوسائل الإعلام الجماعي وشيوع الفكر التبريري في الخطاب الثقافي، وتأثير خصائص الوسيلة الإعلامية على مضمون الرسالة، بالإضافة إلى البنية الصحفية للخطاب العربي الإعلامي وضرورة اعتماد لغة صحافية لا تقف عند حدود الخاصة بل تشارك في حوار الثقافات.
لكن وبعيداً عما طُرح من وجهات نظر حول تكاملية الثقافة والإعلام، فإن الشراكة بينهما مهمة لبناء خطاب ثقافي معرفي يحقق تكامليتهما للعمل على بناء الإنسان وإعادة تكوين العقل، مع ضرورة تركيز الإعلام على النقد البنيوي وتحليل النشاطات الثقافية للنهوض بالفعل الثقافي واحترام الرأي والحوار وليس فقط الاعتماد على النقل الحرفي للنشاطات، مع تشجيع الشباب على الإبداع والاهتمام بثقافة الطفل، والمصالحة مع الذات والآخر، وتكريس العمل الثقافي كحالة قابلة للحوار، وعلينا جميعاً أن نكون جادين في الارتقاء بإعلامنا وإنتاج الخطاب الثقافي الذي يعبّر عن هويتنا ويحمي مشروعنا الثقافي، وأن تترجم الندوات والمؤتمرات التي تناقش هذه القضايا بكل ما تحمله من رؤى وأفكار إلى واقع عملي نلمس نتائجه قريباً.