فنلندا العضو ٣١ في حلف الناتو.. أي مستقبل؟
ريا خوري
سلّم الرئيس الفنلندي سولي نينيستو وثيقة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم الرابع من نيسان الجاري لوزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، حيث تم الإعلان رسمياً عن انضمام فنلندا للحلف لتحمل الرقم 31 في سجل أعضائه، وليرفرف العلم الفنلندي فوق مقرّ الحلف في العاصمة البلجيكية بروكسل.
يعتبر الحدث من وجهة نظر عدد من المراقبين والمحللين تحوّلاً تاريخياً عن السياسة السابقة التي اعتمدت الحياد الإيجابي، على الرغم من الأحداث العاصفة التي مرّت بها القارة الأوروبية، والتي لم تكن بعيدة عنها. لقد تمّ اجتياح فنلندا من قبل الزعيم السوفييتي السابق ستالين، عام 1939، لكن ذلك لم يدفع الحكومة الفنلندية إلى تغيير نهجها وسياستها، فما الذي تغيّر الآن؟ وهل هناك تهديد حقيقي يحيق بأمنها القومي أو الاستراتيجي؟ وما هو مصدر هذا التهديد إن وُجِد؟.
وتمثلت الأسباب المعلنة لطلب كلّ من السويد وفنلندا الالتحاق رسمياً بالحلف، في أيار الماضي، بالحرب الروسية الأوكرانية، والخشية من القوات الروسية، لكن حقيقة الأمر أنّ هذا السبب لا يصمد أمام التحليل السياسي والاستراتيجي والقراءة المنطقية لتداعي الأحداث وتطورها، فأوكرانيا كانت لحقب طويلة جزءاً رئيسياً من روسيا القيصرية، وقد باتت جزءاً من الاتحاد السوفييتي حتى لحظة تفككه في مطلع تسعينيات القرن العشرين الماضي، والعلاقة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا محمّلة بمواريث تاريخية وثقافية لا يمكن تجاهلها أبداً.
جمهورية روسيا الاتحادية، حتى في أقصى حالات ضعفها، لم تتوقف عن الحديث عن تلك المواريث وعن علاقتها الثقافية والتاريخية وما يربطهما من أواصر عميقة بالناطقين باللغة الروسية من الأوكرانيين، وهناك من يصنّف اللغة الأوكرانية ذاتها بأنّها إحدى لهجات اللغة الروسية العريقة. وليس هذا فحسب، بل إنّ روسيا وأوكرانيا يتبعان لكنيسةٍ واحدة هي الكنيسة الأرثوذكسية، وفي التاريخ القديم كان هناك تبادل واسع في الجغرافيا بين البلدين، فتكون هذه المنطقة بكل مكوناتها روسية أحياناً، وأوكرانية في أحيان أخرى. ومثال على ذلك شبه جزيرة القرم، التي عاودت روسيا استرجاعها عام 2014، بما يعني أن النزاع الروسي- الأوكراني الراهن، قد جاء ضمن سياق تاريخي وثقافي لا يمكن تغاضيه أو إغفاله، وليس له أي شبه في علاقة روسيا الاتحادية بالدول الإسكندنافية.
لقد حافظت مملكة السويد وفنلندا على حياديتهما لفترة طويلة، وفي أشدّ حالات التوتّر في العالم. لم تشارك مملكة السويد في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكسبت صداقة وودّ الجميع، وربما يكون قلقها مبرراً، لو وجدت في أثناء الصراع العقائدي بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي، خاصةً وأنها تشق طريقاً رأسمالياً، مع الاعتراف بخصوصية ذلك الطريق والمنهج. ومع كل ذلك حافظت الدول الاسكندنافية على حياديتها الإيجابية، ولم تغرق نفسها في متاهات وصراعات الحرب الباردة. إذاً، ما هي الأسباب الحقيقية التي تدفعها الآن لتغيير سياساتها ونهجها؟.
كلمة السر كما يراها الكثيرون تختزل في “الناتو”، وفي رغبة الولايات المتحدة الأمريكية تمدّد هذا الحلف وتوسيعه ليطوّق الجغرافيا الروسية من كلّ الجهات من أجل محاصرتها. وهو السبب ذاته الذي دفع بحكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقيام بعمليات عسكرية خاصة لإزاحة السيف المشرع على رقبتها. إنها رغبة الغرب الأمريكي- الأوروبي في إنهاء سياسة الحياد الإيجابي بالدول الاسكندنافية، وإلحاقها بفلكها العسكري وصراعاتها الدولية، وهي رغبة لن تسهم أبداً في تعزيز سلام وأمن تلك الدول، بل ستغرقها في مشكلات هي في غنى عنها.
السؤال البديهي والمنطقي الذي ينبغي أن يُطرح هو: ما مدى فاعلية التحاق مملكة السويد وفنلندا بالحلف؟ وهل سيتكفّل هذا الانضمام بحمايتها إلى ما لا نهاية؟ الجواب بكل جزم أن البلدين باتا بوابةً واسعةً للصراع العسكري بين روسيا والغرب الأوروبي- الأمريكي، ومن الطبيعي أن تستعدّ روسيا الاتحادية لكل الاحتمالات في القادم من الأيام.