“ورقة تايوان” الأمريكية
عائدة أسعد
يمثل العبور الأخير الذي قامت به زعيمة تايوان تساي إنغ ون إلى الولايات المتحدة في طريقها إلى غواتيمالا وبليز في أمريكا الوسطى انتهاكاً خطيراً لمبدأ صين واحدة، خاصة وأنها التقت برئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي، والذي بدوره وفّر لها منبراً للإدلاء بتصريحات مؤيدة للانفصال. من هنا، يعتبر قرار إدارة جو بايدن بالسماح لـ تساي بالعبور عبر الولايات المتحدة استفزازاً لبكين، كما يفضح تواطؤ الولايات المتحدة مع القوى الانفصالية في تايوان.
وقضية تايوان ليست قضية دولية وإنما شأن داخلي للصين ومسألة سيادة الصين وسلامة أراضيها، وهي مسألة احترام سيادة كل الدول وفق القواعد الدولية التي أقرّت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، تستخدم بعض القوى الغربية حيلة الديمقراطية لدعم انفصال تايوان، ما يؤدي إلى تقويض السلام والاستقرار في مضيق تايوان ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
أولاً، تواصل الولايات المتحدة تحفيز خيال انفصال تايوان، وتحريض الانفصاليين في الجزيرة على تكثيف أنشطتهم. ونتيجة لذلك، تجاهل مسؤولو الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم أهمية العلاقات عبر المضيق بالنسبة لمجتمع تايوان، وقد استغلت إدارة تساي هذا الوضع للترويج لنظرية الدولتين، وهو انتهاك صارخ للأساس القانوني والواقعي لكلا جانبي المضيق المنتمين إلى صين واحدة.
كما يبذل السياسيون في واشنطن جهوداً يائسة لاحتواء بكين من خلال تفريغ مبدأ الصين الواحدة من أجل الحفاظ على الهيمنة الاستراتيجية للولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، كان مسؤولو الحزب الديمقراطي التقدمي مهووسين بانفصال تايوان، لأن الولايات المتحدة كانت تبني قلاعاً في الهواء لإيقاعهم في فخها، ومن المتوقع أن يستخدم لاي تشينغ تي، وهو سياسي في الحزب الديمقراطي التقدمي، الدعم الأمريكي للترويج لمزيد من خطاب وسياسات استقلال تايوان لتحقيق مكاسب انتخابية في الجزيرة في عام 2024.
ثانياً، تحاول الولايات المتحدة تحويل قضية تايوان، وهي مسألة داخلية تخصّ الصين، إلى قضية دولية، وتتحدى مبدأ الصين الواحدة المعترف به من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة.
ليس لتايوان أي وضع قانوني دولي سوى كونها جزءاً من الصين، وليس لها هوية وطنية أو حقوق. وعلى الرغم من ذلك، ترفض إدارة تساي الاعتراف بتوافق عام 1992 بأن هناك صيناً واحدة فقط، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. وبدلاً من ذلك، كانت تستخدم الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية والمؤسسية للجزيرة لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية في محاولة للحصول على الانفصال.
إن سماح الولايات المتحدة لـ تساي بإجراء توقفات في نيويورك ولوس أنجلوس هو دليل على دعمها لسعيها لتحقيق استقلال تايوان، ومحاولتها تغيير فهم المجتمع الدولي لمسألة تايوان.
ثالثاً، تقوم الولايات المتحدة بتسليح تايوان، وخلال هذه العملية تحولها إلى برميل بارود. ونظراً لأن واشنطن لا تستطيع منع القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لبكين من الزيادة، فقد كثفت مبيعاتها من الأسلحة إلى تايوان للتحقق من نمو بكين، وتصعيد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
يبدو أن مكارثي وتساي ناقشا كيفية تسريع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان، كما دعا عضو الكونغرس مايكل ماكول خلال زيارته إلى تايوان بداية نيسان الجاري إلى تعزيز الجزيرة من خلال التدريب العسكري المشترك، والترويج لمبيعات طرف ثالث للأسلحة. من الواضح أن واشنطن تحثّ تايوان على استخدام الوسائل العسكرية للسعي إلى الانفصال على الرغم من حقيقة أنها قد توجّه ضربة خطيرة للسلام والاستقرار الإقليميين، وتسبّب أضراراً جسيمة للجزيرة.
لدى الصين أسباب قانونية وشرعية كافية للرد بشكل مناسب على هذه الاستفزازات، وتعدّ مسألة تايوان من صميم المصالح الجوهرية للصين، وهي أول خط أحمر لا يمكن تجاوزه في العلاقات الصينية الأمريكية. كما أن التواطؤ بين واشنطن وتايبيه ضد بكين لن يؤدي إلا إلى دفع الجزيرة إلى وضع خطير، مما يضرّ بمصالح كل من الجزيرة، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
إن الوضع عبر المضيق يزداد تعقيداً وتوتراً بشكل متزايد، وعلى دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ أن تدرك الضرر الجسيم الذي تسبّبه الولايات المتحدة من خلال لعب “ورقة تايوان”، واستخدام انفصال تايوان لتقويض السلام الإقليمي.