صحيفة البعثمحليات

في ذكرى ملحمة الجلاء

دمشق – البعث

في يوم السابع عشر من نيسان، كان جلاء آخر جندي من جنود الاحتلال الفرنسي عن أرض سورية العزيزة، حيث أقيم فيها احتفال كبير بهذه المناسبة حضرته وفود من الدول العربية الشقيقة ليصبح هذا اليوم عيدا وطنيا ورمزا لحرية الوطن واستقلاله. وفي هذه الذكرى الغالية تحضر إلى الأذهان حكاية دخول الاستعمار الفرنسي إلى سورية وكيفية جلائه عن تراب الوطن..

نزل الفرنسيون في طرطوس أواخر عام 1918، واحتلوا حلب عام 1920، وفي 24 تموز من العام نفسه دخلوا دمشق بعد معركة ميسلون غير المتكافئة التي خاضها البطل الشهيد يوسف العظمة ورفاقه الـ 400، وظلوا يقاتلون حتى سقطوا جميعا شهداء في ساحات الشرف بعد أن كبدوا الفرنسيين أكثر من مئة قتيل وخمسمائة جريح.

لاشك بان بطولة يوسف العظيمة الفريدة من نوعها ستبقى ماثلة في الأذهان.. لماذا؟

لأنه كان يعرف مسبقا نتائج هذه المعركة مع جيش فرنسي قوامه 10.000 مقاتل مدعوم بالدبابات والمدفعية وأسراب الطائرات، ولكنه رفض الخضوع لإنذار الجنرال غورو، وهذه قمة البطولة والفداء، وبذلك يكون البطل العظمة ورفاقه قد زرعوا بذرة المقاومة الباسلة ضد الأجنبي المستعمر في سورية والوطن العربي عامة.

والأمر الملفت للنظر أن هذه المقاومة استمرت متمثلة بالثورات التي قامت ضد الفرنسيين، بدءا من ثورة الشيخ صالح العلي في جبال الساحل السوري، مرورا بثورة الشمال بقيادة الزعيم ابراهيم هنانو، والثورات الأخرى في إدلب والرقة والحسكة والقنيطرة وغوطة دمشق ودرعا وحمص وحماة وتدمر ودير الزور والبادية والقلمون، وانتهاء بالثورة السورية الكبرى بقيادة المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش، والتي كان من أهم معاركها معركة المزرعة التي كبدت الفرنسيين 1000 قتيل، هرب على إثرها الجنرال غورو إلى ازرع بمحافظة درعا ليختبئ هناك بعد أن تنكر بزي امرأة.

وبعد هذه الثورات المسلحة بدأت مرحلة النضال السياسي الذي كان له رجالاته البارزون، وبالتالي تكللت تلك الثورات والنضال السياسي الذي أعقبها بإجبار الفرنسيين على الجلاء عن ارض سورية.

لقد اعترف الفرنسيون بان وجودهم في سورية لم يكن مريحا وهذا ما عكسه اعتراف جنرال فرنسي، يدعى ويغاند، في كتاب ألفه عن سورية، قال فيه: “لقد شهدت أثناء وجودي في سورية ثلاثمئة ثورة”، وهذا وسام على صدر كل سوري.

جدير بالذكر أن القائد المؤسس حافظ الأسد قد كرم شهداء ومجاهدي الاستقلال بتخصيص رواتب تقاعدية لهم إضافة إلى اللقاءات السنوية بذويهم ومكرمات أخرى كثيرة وتابع السيد الرئيس بشار الأسد هذا النهج فرعاهم وكرمهم تكريما لافتا ولا يزال.

إن ما يميز استقلال سورية بأنه جاء حقيقيا وناجزا، بمعنى أن سورية لم ترتبط بأية معاهدات واتفاقيات مع الاستعمار الفرنسي بعد رحيله، واتبعت نهجا معاديا للاستعمار بكل أشكاله وساعدت عدة أقطار على نيل استقلالها، مثل الجزائر وغيرها، وظلت راعية للمشروع القومي وداعية للوحدة العربية والتضامن العربي ومقاومة العدوان الصهيوني معتبرة أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى والمركزية.

هذا وتأتي ذكرى الجلاء لهذا العام مع  بشائر مرحلة جديدة تكلل أعواماً من الصمود بفضل تضحيات أبناء سورية الشرفاء وجيشها الباسل ودعم الأصدقاء في العالم مثل روسيا وإيران والأشقاء في المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية والعراقية، ولذلك عيد الجلاء يؤكد لشهداء سورية أنها ستسير على دربهم، وستظل وفية لدمائهم الطاهرة التي روت أرض الوطن، وستكون ذكرى الجلاء حافزا لجيشنا البطل وللقوى المؤازرة له على مواصلة ضرب الأعداء في كل مكان.