المهمّ
عبد الكريم النّاعم
قال صديقي ووجهه يطفح بشيء من الرّضى: “هل تتابع أخبار دول اجتماع مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن في السعودية”؟
قلت: “أتابع بشكل خاطف”
قال: “كأنّك لستَ فرحاً بأن يعود العرب إلى سوريّة”
قلت: “أنا يُبهجني أيّ تقارب عربي يقوم على أسس سليمة، ويدعم المطالب العربيّة الحقّة، ويتمسّك بثوابت تدعم المواجهة مع الصهيونيّة، والتي لا يمكن لهذه المنطقة أن تعرف الهدوء ما دامت لم تنكسر شوكة هذا المُتجبّر المتغطرس، ومَن يدعمه، وأنا أرى أن التوقّف عند “مَن عاد إلى مَن؟” هو مماحكة بيزنطيّة، لقد كانت سوريّة دائما مع أن يكون للعرب موقف واحد، وإذا حدث خلل بهذا الشأن فلم تكن سوريّة هي المسؤولة، وأنت تعلم كم ناضل السوريون من أجل وحدة العرب، والتّضامن العربي؛ وحين فشلت المحاولات، لم يكن الفشل في الشعار، ولا في عدم واقعيّته، بل كان سببه مَن بيدهم مقاليد الرأي والحكم. ولقد دفع السوريون أثمانا باهظة لحماية ما رفعوه من شعارات، وليست الهجمة التدميرية التخريبية في سورية، والتي استمرّت عشر سنوات، إلاّ لأن سورية كانت أمينة على المبادئ التي تؤمن بها”..
قاطعني قائلاً: “هناك مَن يرى أنّ ثمة فالقا عميقاً بين ما ذكرت، وبين إدارة المعركة في الداخل السوري”
قلت: “هذا شأن آخر، ولقد قيل فيه الكثير، وأنا ممّن كتب في ذلك وتعرف رأيي، ولا أحتاج إلى تكراره، وسيبقى هذا الفالق عميقاً حتى يُسدّ بما يرفع الحيف، والتقصير، ولستُ أُهمل أنّ إمكاناتنا الذاتيّة تبدو ضعيفة، لا سيّما بعد احتلال الأمريكان للشمال الشرقي، ونهب الغاز والبترول، غير أنّ هذا لا يُلغي الخلل الذي أصابنا في الداخل في المواقع المسؤولة عن سدّ الخلل”..
قاطعني: “تُرى هل ستكون دعوة سوريّة لمؤتمر القمّة الذي سيُعقَد في السعودية.. هل ستكون لها آثارها فيما بعد، في سياق ما نحن بذكره”؟
قلت: “أنا لا أعرف، وعلينا أن ننتظر، فلا التفاؤل المُبالَغ فيه مُجد، ولا التّشاؤم المبالغ فيه.. علينا أن ننتظر”..
قاطعني قائلاً: “هل تظنّ أنّ هذا التوجّه باتّجاه دمشق يجري بغير رضى الأمريكان”؟
قلت: “لا تدع التّخمينات، والظنون تسيطر في مثل هذه الحالات، فقد تصحّ وقد لا تصحّ، المهمّ الآن كيف يجري التعامل مع القضايا العميقة المصيريّة”..
قاطعني قائلاً: “هل تظنّ أنّهم سيدعموننا بما لديهم من أموال، وهم أغنياء في ذلك”؟
قلت: “ألا تلاحظ أنّك تقاطعني قبل أن أُتمّ كلامي”؟
قال: “أنت تعرف أنّ هذا طبع فيّ، فلا تؤاخذني”
قلت: “مثل هذا يبدو احتمالاً ممكناً”
قال: “ألم تدفع دولة خليجية، باعترافها، ثلاثة وأربعين مليارا في سوريّة، زمن إشعال الفتيل وما تلاه”؟!!
قلت: “أتريد أن تدفع المبلغ ذاته بعد أن هُزِم المشروع برمّته، الكلام يبدو منطقيّاً، ولكنّه غير واقعي”.
قال: “يرى بعض المحلِّلين أنّ وساطة الصين في التقارب الذي جرى بين السعودية وإيران توحي بأنّ السيطرة الأمريكيّة لم تعد كما كانت، وفي هذا بشائر تتعلّق بالمنطقة كلّها، لا سيّما محور المقاومة”.
قلت: “يمكن تقديم مثل هذه القراءة، وعسى أن يكون ذلك في سياق التحوّلات الواضحة في ميزان القوى العالميّة، وأنّ محور شنغهاي يتقدّم ببطء، ولكنّ نتائجه ستكون طويلة الأمد، وسوف تتراجع القوّة الأمريكيّة، مُرغَمة، كما عهدنا في تاريخ الحروب الأمريكية، في فيتنام، وفي أفغانستان، وفي إيران، وفي منطقتنا العربيّة، وعسى هذا التراجع يُشكّل بداية لأفول النّجم الصهيو أمريكي، وإنّ الأيام القادمة حُبلى…
aaalnaem@gmail.com