فنلندا خنجر في خاصرة روسيا
ريا خوري
يبدو أنّ حلف شمال الأطلسي “الناتو” ما زال عازماً على محاصرة روسيا ضمن حدودها الجغرافية وأمنها القومي، وتكبيلها لكبت طموحاتها في مقارعة ومجابهة النظام الغربي الأمريكي – الأوروبي الذي استمر لعقود ثلاثة في فرض رؤاه السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية على العالم أجمع.
فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، مطلع تسعينيات القرن الماضي، تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بطرفي الأرض، واستخدمت القارة الأوروبية العجوز لخدمة مصالحها الخاصة، بل ونصّبت نفسها شرطياً على العالم يحمل العصا والجزرة، وكانت قد اتبعت سياسة خاصة تتمثل بدبلوماسية المدفع والدبلوماسية الناعمة، وعملت على دعم من يدور في فلكها، أو ينضم تحت جناحيها، لكن استمرار الوضع المسيطر والمهيمن في العالم على ما هو عليه كان خارج الحسابات وخارج كل التوقعات، فجمهورية روسيا خطت نحو القطبية بشكل ثابت ومتسارع وقوي، لتكون نداً للولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لخلق نوع من التوازن الدولي، وسعت بكل ما تملك للتصدي لكل ما يهدد أمنها الاستراتيجي، وكانت الحرب الساخنة التي تدور رحاها في أوكرانيا رسالةً للغرب الأوروبي – الأمريكي بألا يتجاوز الخطوط الحمر التي تهدد أمنها القومي الاستراتيجي .
آخر فصول الصراع كان منذ فترةٍ قريبة بانضمام فنلندا إلى “الناتو” لتصبح الدولة الحادية والثلاثين في منظومته العسكرية، وانضمامها في هذا التوقيت وهذا الظرف بالذات لم يكن مصادفة، وإنما رسالة لروسيا بأن الغرب الأوروبي – الأمريكي سيسعى جاهداً لتضييق الخناق عليها من كل الجهات، إذ لا يخفى على أحد أن فنلندا التزمت الحياة لعشرات السنين، وانضمامها الآن في هذه المرحلة بالذات هدفه واضح وصريح، إلى جانب أنها تشترك مع روسيا في حدود تصل إلى نحو ألف وثلاثمائة كيلومتر، وهو ما سيجعل مد أوكرانيا بالأسلحة عبرها سهلاً، ويزيد من الضغط العسكري والأمني والسياسي على روسيا، كما أن الجيش الفنلندي على الرغم من قلة عدده يملك عتاداً نوعياً وتدريباً خاصاً يمكنه أن يشكل ورقة ضغط في مرحلة ما على روسيا التي اعتبرت ما حدث خنجراً غُرس في خاصرتها، حيث توعّد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير خارجية روسيا بتعزيز حضور بلاده العسكري في شمال غربي البلاد، واعداً بإجراءات إضافية لضمان الأمن العسكري لروسيا بشكل موثوق به، كما أن القيادة العسكرية الروسية ستقرب أسلحتها النووية من حدود “الناتو”، وسيتم وضعها على الحدود مع بولندا مباشرةً .
التحرك العسكري والسياسي الروسي المضاد تزامن مع تصريح لافت لوزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو قال فيه إنّ “اجتماع وزراء خارجية الناتو في بروكسل يؤكّد خطورة اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب الأزمة الأوكرانية”. هذا التصريح من دولة عضو في الحلف يشي بأنّ الأمور تتجه للخروج عن السيطرة، فما زالت أوروبا الغربية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، تطمحان إلى كسر شوكة روسيا، فالأمر بات مسألة موت أو حياة، لأنّ انتصار روسيا سيكون بمنزلة إعلان وفاة للنظام العالمي الحالي الذي يتحكم في أوصاله الغرب الأمريكي – الأوروبي، وميلاد نظام جديد تكون روسيا والصين فيه لاعبين مهمّين على الساحة الدولية، وقطبين قويين معترفٌ بهما.