الحكومة “تغصّ” بقمح الفلاحين.. تسعيرة مجحفة وخاسرة حتى بتكاليف العام الماضي!
دمشق – ريم ربيع
كأنما تعلن نفسها رسمياً حكومةً للمستوردين، أغلقت الحكومة بإعلانها تسعيرة القمح بالأمس الباب على أي أمل أو حافز للفلاح، الذي بدأ يحصي خسائره المقدرة بمئات الآلاف بعد تسعير كيلو القمح بـ 2300 ليرة فقط، حيث لاقى السعر الجديد استنكاراً كبيراً من الفلاحين، وحتى من الاقتصاديين الذين رأوا فيه تدميراً للمنتجين لمصلحة المستوردين.
التسعيرة الجديدة لم تراعِ التكاليف الباهظة التي تكبدها الفلاح خلال هذا الموسم من سماد ومحروقات بعد الفشل بتوزيعها بسعر مدعوم، ولم تؤمن له حتى كلفة الزرع والحصاد، ما يهدد بمواسم مقبلة ستشهد عزوفاً كبيراً عن زراعة القمح، بعد التخلي عن دعم أهم المحاصيل الاستراتيجية، حيث رأى الخبير التنموي أكرم عفيف أن أسوأ ما يحصل اليوم هو سياسة الحكومة تجاه الإنتاج الزراعي الذي لطالما كان منقذاً خلال الأزمات والحصار المستمر منذ عقود، فالعالم كله يشتعل بحروب القمح والموارد، ونحن نقضي على كل أمل بالإنتاج محلياً.
واعتبر عفيف أن تسعير الكيلو بـ 2300 ليرة خاسر حتى لو احتسب على تكاليف العام الماضي، حين كان الدولار بـ 3800 ليرة، فكيف اليوم والدولار بـ 6800، وليتر المازوت بـ 7000 ليرة والبنزين بـ 10 آلاف ليرة، بينما اشترى الفلاح كيس السماد بـ 300 ألف، مضيفاً أن الأسوأ من السعر هو توضيح الحكومة أنها احتسبت كل التكاليف، ووضعت هامش ربح 35%، فبالأرقام وبحسب الإعلام الزراعي، كان إنتاج الدونم العام الماضي 167 كغ، وعملياً لم يزد إنتاج الدونم عن 200 كغ من عشر سنوات، وبالتالي سيكون ما تدفعه الحكومة للدونم حوالي 500 ألف ليرة، بينما تكلفته الفعلية على الفلاح 1.3 مليون ليرة، فأين التكاليف؟ وأين الربح الذي يتحدثون عنه والفلاح خاسر أكثر من نصف القيمة؟
وبيّن عفيف أن هناك انفصالا عن الواقع في القرارات، وخسارة الفلاحين هذا العام كبيرة، وتدمير المنتجين يعني تدمير القدرة الشرائية للمواطن، فالتسعيرة يجب ألا تقل عن 4000 ليرة للكيلوغرام، خاصة وأن الفلاحين اضطروا للسقاية مرتين وليس مرة فقط، أولاً بسبب قلة الأمطار، وثانياً بسبب العاصفة الهوائية التي تسببت بشدة على المحصول، مما ضاعف كمية السماد والمحروقات، علماً أن السقاية تحتاج 8-16 ليتر مازوت للدونم، مضيفاً: لو عرف الفلاحون السعر منذ البداية لما زرعوا حبة قمح واحدة!
وحول كمية الإنتاج، توقع عفيف أن تتراجع بسبب تأخر الأمطار لأكثر من شهر، ومن ثم أمطار غزيرة أدت لطوفان الأرض، فضلاً عن العاصفة الهوائية التي أضرت الإنتاج، متسائلاً عن سبب غياب التأمين على المحاصيل الاستراتيجية حتى الآن.