المرتزقة رأس حربة الولايات المتحدة
هيفاء علي
تستند إستراتيجية البنتاغون في سورية إلى أوسع استخدام ممكن لـ “المقاولين”، وهو تعبير ملطف عن مرتزقة اليوم الذين تم استقدامهم من كافة أصقاع الأرض، وتجنيدهم وتدريبهم من قبل جوقة المعتدين على سورية وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وإرسالهم إلى سورية عبر تركيا.
رسمياً، لدى الولايات المتحدة حوالي 900 جندي، وفي السياق أشار الجنرال جيمس بي جيرارد، عام 2017، إلى أن العدد الفعلي للعسكريين الأمريكيين في سورية أقرب إلى 4000. وهناك أدلة متزايدة على أن البيانات الرسمية حول الأفراد العسكريين الأمريكيين المنتشرين فيما يسمى بمناطق الحرب الخارجية أقل بكثير من الأرقام الحقيقية. وبالمثل، فإن الخسائر العسكرية في الخدمة الفعلية لا تمثل سوى جزء بسيط من الوفيات الأمريكية التي حدثت خلال الحملات الصليبية المختلفة لواشنطن في الخارج على مدار العشرين عاماً الماضية.
الآلية الرئيسية لهذا الخداع الإحصائي هي استخدام البنتاغون المتزايد لـ “المتعاقدين المدنيين”، أي المرتزقة. ووفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس، فقد عمل، نهاية عام 2022، ما يقرب من 22000 متعاقد في وزارة الدفاع في منطقة مسؤولية القيادة المركزية، بما في ذلك 7908 في العراق وسورية. وعندما يسمع معظم الأمريكيين هذا المصطلح، فإنهم يفترضون أنه يشير إلى موظفي الدعم الذين يقدمون الطعام والنقل والخدمات الأخرى لأعضاء الخدمة، لكن الحقيقة هي أن هؤلاء المرتزقة يقفون في صفوف الأمن المسلح الأولى، ويمكن أن يتكبدوا إصابات بمعدل مماثل للجنود الذين هم رسمياً في صفوف القوات الأمريكية.
في عام 2017، أخبر الجنرال جون نيكلسون، قائد مهمة الدعم الحازم التابعة لحلف الناتو والقوات الأمريكية في أفغانستان لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أن البنتاغون بحاجة إلى “استبدال الجنود بالمقاولين المرتزقة لدعم القوات” في أفغانستان، واعتباراً من تشرين الأول 2018، كان هناك أكثر من 25000 مقاول في أفغانستان من بينهم كان 4172 متعاقداً أمنياً خاصاً في أفغانستان، مع 2397 تم تصنيفهم كمتعاقدين أمنيين مسلحين. بلغ استخدام المتعاقدين ذروته خلال الحرب العالمية المزعومة على الإرهاب، عندما ذكرت لجنة التعاقد في زمن الحرب في العراق وأفغانستان في تقريرها النهائي في عام 2011 أن وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أظهرت “الاعتماد المفرط وغير الصحي” على المتعاقدين العسكريين، وفق تعبيرها. وبحسب المحللين، فإنه من الصعب تحديد العدد الدقيق للمتعاقدين المسلحين في السنوات الأخيرة، وقد أشار تقرير صدر في شباط 2021، إلى أنه من بين 27338 متعاقداً في أفغانستان في نهاية عام 2020، كان هناك 1413 متعاقداً أمنياً مسلحاً (على عكس غير مسلح) و96 متعاقداً أمنياً خاصاً (غير مسلح) بين العراق وسورية. وفي الربع الأخير من السنة المالية 2022، أفادت وزارة الدفاع بوجود 941 من أفراد الأمن في العراق وسورية، لم يتم التعرف على أي منهم كأفراد أمن مسلحين. ومع ذلك، نشرت وزارة الدفاع في نيسان 2022 أرقاماً تشير إلى أن من بين 6670 متعاقداً عسكرياً كانوا موجودين في ذلك الوقت في العراق وسورية، 596 كانوا مسؤولين عن التدريب والأمن.
استخدمت بريطانيا العظمى هذه الأسلحة الخاصة في محاولة لخنق الرغبة في استقلال المستعمرات الأمريكية، حيث استولت قوات جورج واشنطن على أكثر من 900 جندي في هجوم مفاجئ في عيد الميلاد عام 1776 ما أتاح لها الاستيلاء على ترينتون وبرينستون. في العصر الراهن، أدى ظهور شركة “بلاك ووتر” كمصدر رئيسي للمقاولين خلال الحروب في أفغانستان والعراق إلى إلقاء الضوء على عنصر جديد مهم لإستراتيجية البنتاغون، حيث تم إنشاء “بلاك ووتر” في نهاية كانون الأول 1996 من قبل ضابط البحرية السابق، إريك برينس، ومنذ ذلك الحين غيرت الشركة اسمها عدة مرات ، كان آخرها “كونستيليس”.
في عام 2020، يجب أن تبدد شهادة من الداخل من أحد وكلاء الشركة أي أوهام متبقية بأن موظفيها قدموا خدمات الدعم للجيش الأمريكي فقط. يواجه المتعاقدون في حالة القتال المخاطر المتزايدة لمثل هذا الدور، وفي السياق ووفقاً لحسابات معهد واتسون في جامعة براون، فقد لقي 4898 جندياً أمريكياً حتفهم في العراق اعتباراً من 1 أيلول 2021. وتبع ذلك عدد القتلى بين المتعاقدين عن كثب، حيث قُتل 3650 جندياً.
كان الحجم المريب لوفيات المتعاقدين “المدنيين” الأمريكيين أكثر وضوحاً في أفغانستان بحلول الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية من ذلك البلد في آب 2021. اعترفت واشنطن بمقتل 2448 جندياً أمريكياً خلال ذلك الغزو الذي دام عقدين، مقابل سقوط 3846 مقاولاً. قدر تحليل معهد واتسون عدد القتلى بين المقاولين بـ 3917.
محلل آـخر من مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية، أفاد في نهاية عام 2021، أن عدداً أكبر من المتعاقدين (ما يقرب من 8000) لقوا حتفهم في مختلف حروب ما بعد 11 أيلول، من عدد أفراد القوات المسلحة الأمريكية.
وعليه، يعد الاعتماد الواسع النطاق للمهام العسكرية على شركات المرتزقة الخاصة جانباً غير معترف به إلى حد كبير من حروب الولايات المتحدة حول العالم، التي تشنها منذ عام 2001 تحت ستار محاربة الإرهاب. أصبح استخدام مقاولي البنتاغون بمثابة ستار دخان مناسب يخفي مدى تورط أمريكا في نزاع مسلح غير ضروري ودامي ومشكوك فيه أخلاقياً. وقد يشهد العالم الآن ظهور هذه العملية فيما يتعلق بالدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا. وبالفعل يعمل ألكسندر فيندمان، الموظف السابق في مجلس الأمن القومي، المشهور بدوره في إجراءات المساءلة الأولى ضد دونالد ترامب، على الضغط علناً على واشنطن لإرسال متعاقدين عسكريين لمساعدة كييف في جهودها لإصلاح الأنظمة الأمنية، والقيام بخطوة مماثلة في أيار2022 لإرسال المتعاقدين إلى ساحة المعركة، و لن يتطلب الأمر تصعيداً كبيراً للانتقال من مثل هذا الدعم إلى دور قتالي مباشر من قبل هؤلاء المرتزقة الذين يسمون بالمقاولين.
وبذلك، بعرض القادة الأمريكيون أنفسهم لمخاطر كبيرة، وهم المتورطون بشن الحروب على أفغانستان وسورية والعراق، لأن وجود المرتزقة الأمريكيين في أوكرانيا من شأنه أن يقود إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.