ثقافةصحيفة البعث

مصممة الأزياء رجاء مخلوف شريك حقيقي في نجاح “الزند”

أمينة عباس

لا يختلف أحد على أن الأزياء في الأعمال الدرامية تلعب دوراً هاماً في إضفاء قدر من الواقعية عليها، سواء في الأعمال المعاصرة أو التاريخية، ولكن ما هو متفق عليه أنها تحتاج إلى جهد وعناية أكثر في الدراما التي تتناول حقباً معينة من تاريخ الشعوب، وما هو سائد أن المشاهد غالباً ما يتوقف عند تقييمه لأي عمل درامي عند حدود عمل المخرج والكاتب والممثل، إلا في الأعمال التي تشارك فيها مصممة الأزياء رجاء مخلوف التي اعتادت أن تبهر المشاهد بما تختاره لشخصيات هذه الأعمال، لذلك ليس بغريب عنها ذلك التميز الذي تقدم فيه شخصيات مسلسل “الزند” نص عمر أبو سعدة، إخراج سامر البرقاوي والتي تستحضر من خلالها ماضٍ تستنطق فيها التاريخ والبيئة وتبث الروح في الشخصيات لتصبح من لحم ودم، وهذا إن دل على شيء فهو عشقها لما تقوم به، فدونه ما كان بالإمكان أن تغزل كل هذا الجمال في تصاميمها لتؤكد أنها شريك حقيقي في نجاحه ونجاح أي عمل تشارك فيه.. والحديث عن مسيرة مخلوف في عالم الأزياء يبدو صعباً للغاية لأنها غنية بالنجاح والتميز وهي تكشف ذلك الشغف الذي يسكنها لمهنة ليست سهلة على الإطلاق تتطلب الدقة والخوض في التفاصيل اللذين تتقنهما في عملها إلى جانب الحب الذي يجعلها تتعامل مع الأقمشة كما تتعامل الأم مع وليدها، وهذا يفسر حرصها الشديد على التواجد في أماكن التصوير لتشرف على الممثلين أثناء لبسهم لأزياء شخصياتهم تأهباً لأي ظرف طارئ قد يغير في معادلاتها الصحيحة المتخمة بالمعرفة والثقافة الواسعة.
عدم المغالاة في الابتعاد عن الوثيقة
تؤكد رجاء مخلوف في حوار مع “البعث” أن أزياء مسلسل “الزند” لها خصوصية كبيرة عندهاk لأن المرحلة التاريخية (١٨٩٨) التي يتطرق لها العمل خاصة جداً، ولم يسبق أن قاربتها الدراما بهذا الشكل، إضافة إلى أن تنوع البيئات الكبير فيه جعل مسيرة التصميم أعقد وأصعب وأكثر تنوعاً، حيث هناك أزياء المدينة المتأثرة بالعثمانيين أو أوربا، وأزياء المدينة الأكثر شعبية، وأزياء الريف بتنوعه، إلى جانب أزياء البيئة البدوية وبيئة الغجر والملابس العسكرية الألمانية والعثمانية بكل تنوعها ورتبها وملابس الباشوات، مبينة أنه لم يبق شيء لم تبحث عنه وتقاربه وتوظفه في المكان المناسب بسبب البذخ الإنتاجي الذي استطاعت توظيفه بشكل صحيح، مشيرة إلى أن الوثيقة موجودة إلى حد ما لهذه البيئات، وقد وجدت مئات الصور والعديد من المراجع التي قرأتها وهي تحكي عن الملابس السورية في هذه المرحلة، وقد خزنت كل المعلومات  التي حصلت عليها ثم صممت وكأنها تعمل من الصفر، لأنها تميل للابتكار لأنه البصمة التي تحفظ الوثيقة بتصرف جمالي، مع تأكيدها على عدم المغالاة في الابتعاد عن الوثيقة حتى لا يقول الناس هذا ليس زيّنا ونحن لا نرتدي الملابس بهذه الطريقة، مع أن الكثيرين في بعض الأحيان لديهم رفض داخلي لرؤية أزياء لم يعتادوا على رؤيتها في الأعمال الدرامية. 

عملية احتيال
وتؤكد مخلوف أنه قبل الحرب لم يكن هناك الكثير من الصعوبات لديها في إيجاد الحلول المناسبة لأي مشكلة تعترضها سوى مشكلة الوقت قبيل التصوير الذي لا يكون كافياً للعمل على كل التفاصيل، ويؤسفها أن الحرب أثّرت كثيراً على سير عملها بعد أن صارت خيارات السوق محدودة والاكسسوارات أقل والهامش أضيق، لذلك اضطرت في كثير من المرات في “الزند” إلى إجراء عملية احتيال على أقمشة الملابس والمفروشات كي تطوعها لتصبح جميلة. 

العمل بذهنية الفريق 
ولا تتوقف رجاء مخلوف كثيراً عند ندرة المكتبة العربية للمراجع الخاصة بالأزياء، موضحة أنها تمتلك مكتبة جيدة تضم الكتب المتعلقة بتاريخ الأزياء والتي جمعتها على مدار سنوات طويلة، إلى جانب بحثها على النت وهي قد تكتفي أحياناً بصورة  تكون ملهماً كبيراً لها، منوهة، وهي التي درست تصميم الأزياء في مدرسة “ايس مود” وتخرجت بتفوق فيها، أن أولوياتها في كل عمل تشارك فيه هو أن تحافظ على الشغف لديها في مهنة اختارتها وألا تسترخي أبداً، وهي تفعل ذلك منذ عملها الأول وحتى الآن، مع إيمانها أن طبيعة العلاقة المهنية بينها وبين المخرج وبقية العناصر الفنية الأخرى تكاملية، والعمل بذهنية الفريق لأن ذلك هو من يحقق نجاح العمل، فالزيّ مثلاً برأيها لا يكون صحيحاً وجميلاً بمعزل عن الإضاءة الجيدة، وبالتالي فإن كل العناصر الفنية في العمل تكمل بعضها، وحين تعود مخلوف إلى مسيرتها الغنية لا بد أن تتوقف دوماً عند مسلسل “الزير سالم” الذي تعتبره من أهم المحطات في مسيرتها، لأنه أول عمل غامرت فيه بالأزياء التاريخية عندما وثق بها المخرج حاتم علي وقال لها: “أنت موهوبة لا تخشي شيئاً اقتحمي مجال الأزياء الدرامية وأنا معك”.. وحين سألتُها عن سبب غيابها عن المسرح أجابت: “المسرح هو البعيد عني ولست أنا”. 
صنّفتها مجلة “أرابيان بيزنس” الصادرة في دبي باللغتين العربية والإنكليزية، عام 2014، من بين مئة شخصية عربية مؤثرة في العالم في مجال الإبداع والرقي، بدأ شغفها بالملابس في سن مبكرة وبقي ملازماً لها، ولعدم وجود ما ينمي لديها هذا الشغف درست الأدب الفرنسي وقادتها الصدفة لتصميم ملابس الدراما من خلال بعض الأصدقاء الذين لهم علاقة بمجال العمل التلفزيوني والسينمائي، فعرضوا عليها التمثيل في مقتبل العمر، لكنها رفضت الفكرة شكلاً ومضموناً، وحين عُرضت عليها فكرة العمل في مجال الأزياء قبلتها وقرّرت دراسة تصميم الأزياء بعد أن افتتح فرع لمدرسة “إيس مود” في سورية التي التحقت بها ودرست فيها تحت إشراف مصمّمة الأزياء الفرنسية كارولين زيبليني، خرّيجة دار شانيل، فكانت من طالباتها المميزات، وقد عملت مخلوف لأول مرة في مسلسل “الثريا” كمساعدة ومشرفة على الأزياء النسائية فقط، واستطاعت بعد ذلك عبر أزيائه ترجمة حكاية فيلم “الطحالب” لريمون بطرس الذي اختارها في أفلامه الأخرى، كما اختارها المخرج غسان شميط لفيلم “شيء ما يحترق” في حين اختارها المخرج رياض شيا لفيلم “اللجاة” وكان من أهم التجارب السينمائية بالنسبة لها، لتتعدد بعد ذلك تجاربها السينمائية مع أهم المخرجين أمثال باسل الخطيب وجود سعيد ولتعمل في التلفزيون في المسلسلات التاريخية ذات الإنتاج الكبير مثل “الزير سالم” و”الملك فاروق” و”نزار قباني” و”السيرة الهلالية”، وحصلت على العديد من الجوائز، منها جائزة أدونيا عام 2005 كأفضل تصميم ملابس عن المسلسل التاريخي “الظاهر بيبرس” (إخراج محمد عزيزية)، وجائزة أدونيا عام 2009 كأفضل تصميم ملابس عن مسلسل “فنجان الدم” للمخرج الليث حجو، وجائزة أدونيا عام 2010 كأفضل تصميم ملابس عن مسلسل “أبواب الغيم” للراحل حاتم علي، وتكريم من مصر عن مسلسل “الملك فاروق” للمخرج حاتم علي.