من الذي أشعل فتيل الأزمة في السودان؟
ترجمة: هيفاء علي
تتواصل المعارك التي اندلعت في العاصمة السودانية الخرطوم، وفي مناطق أخرى من البلاد، كنتيجة مباشرة لتأزم العلاقات بين أفراد القيادة العسكرية في البلاد وصراعهم على السلطة.
تدور المعارك بين الجيش الذي يقوده عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للسودان من جهة، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، من جهة أخرى.
يبلغ عدد القوات المسلحة في السودان نحو 205 آلاف جندي، وفق تقارير عسكرية نشرها موقع “غلوبال فاير”، وتنقسم هذه القوات إلى 100 ألف قوات عاملة، و50 ألف قوات احتياطية، و55 ألف قوات شبه عسكرية.
يحتل الجيش السوداني المرتبة رقم 75 بين أقوى جيوش العالم، إذ يمتلك 191 طائرة حربية منها 45 مقاتلة، كما يمتلك 170 دبابة، إضافة إلى 6 آلاف و967 مركبة عسكرية، فضلاً عن مدافع وراجمات صواريخ و18 وحدة بحرية، بينما تقدر ميزانيته بنحو 287 مليون دولار.
أما قوات الدعم السريع فيُقدر عدد أفرادها بنحو 100 ألف فرد، ولها قواعد منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ويتركز وجودها على العاصمة الخرطوم، وعدد من المدن الأخرى، كما تنتشر على الحدود مع دول الجوار الإفريقي.
انبثقت هذه القوات مما يُسمى ميليشيا “الجنجويد” المسلحة التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور، واستخدمتها إدارة عمر البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش لإخماد تمرد، واتُهمت ميليشيا الجنجويد حينها بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
نمت القوات بمرور الوقت واستُخدمت كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية، كما نمت أعمال قائدها محمد حمدان دقلو التجارية، ووسعت أسرته ممتلكاتها في تعدين الذهب والماشية والبنية التحتية.
البرهان وحميدتي
اشتغل البرهان لعقود في المؤسسة العسكرية السودانية، فهو عسكري أمضى فترة من حياته المهنية كملحق عسكري لدى بكين، تولى قيادة المجلس العسكري الانتقالي في أعقاب الإطاحة بنظام البشير على يد الجيش في 11 نيسان 2019.
تعهد البرهان والقيادة العسكرية بتسليم السلطة للمدنيين، لكنه قرر في وقت لاحق حل المؤسسات الانتقالية، وفرض حالة الطوارئ في السودان، ما اعتبر انقلاباً على الاتفاقات الحاصلة ومهد لمزيد من توتير الأجواء في البلاد.
أما حميدتي، فلم يسبق له أن دخل الأكاديمية العسكرية، ومع ذلك فهو فريق أول، تحول من راعي إبل إلى زعيم ميليشيا الجنجويد المسلحة، إلى أن وصل إلى مرحلة ثاني أقوى رجل في البلاد، وأحد أثريائها بفضل التسهيلات الكبيرة في الداخل والخارج.
ورغم ذلك يلحظ التدخل الأجنبي في الصراع في السودان الذي أججته واشنطن ولندن وبلدان أخرى، حيث يزداد القلق في حال استقبلت القوات شبه العسكرية مقاتلين، لأن الحرب ستستمر لسنوات عديدة. وبينما تم تنسيق الهدنة من قبل أطراف النزاع، فإن عدد الضحايا يقترب بالفعل من 300.
إنها ليست أزمة مستمرة في السودان، لكنها حرب واسعة النطاق، وقد تفاقم الوضع بسبب العديد من العوامل، مثل المشاكل الاقتصادية والهجرة، بحيث بات السودان الذي دمرته العقوبات الأمريكية أولاً، ثم الثورة ثانياً لا يختلف عن الصومال.
إلى أين يتجه الوضع؟
هناك متغيرات من بينها مقترح هدنة قدمته قوى دولية لأغراض إنسانية، وتمت الموافقة عليه، إلا أن مليشيا الدعم السريع لم تتح الفرصة لتطبيق الهدنة على الأرض، فتعدت مجموعات منها في العاصمة الخرطوم وبعض المناطق على المواطنين، ومارست النهب. بعد انسحاب قوات الدعم السريع من مطار مروي وقاعدة مروي الجوية العملياتية، دخلت إلى المدينة وضيقت على المواطنين ومارست أعمال سرقة ونهب واسعة.
في ظل احتدام الاشتباكات، يسرت الآلية الثلاثية المؤلفة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “الإيقاد” لقاءً تفكيرياً بين رؤساء وقادة القوى السياسية الداعمة للديمقراطية، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.
ودعت هذه القوى، في بيان، الجيش والدعم السريع إلى الوقف الفوري للحرب وحل القضايا بالحوار، ونادت المكونات السياسية والمدنية والاجتماعية لنبذ الخطابات التي تؤجج للحرب وتثير النعرات العنصرية والجهوية والعمل المشترك من أجل وقف الحرب. كما ناشدت الدول الإقليمية والدولية بدعم جهود المكونات السودانية لوقف الحرب، وعدم الانخراط في أي أعمال تدول الصراع أو تؤججه وتزيد من حدته.
ماذا عن الوضع الإنساني؟
باتت العاصمة الخرطوم مكاناً غير ملائم للسكن بفعل الاشتباكات المستمرة، ما دفع عشرات الأسر إلى النزوح رغم المخاطر المحفوفة بفقدان حياتهم بسبب القذائف الثقيلة التي تُطلق عشوائياً. كما تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قصص مأسوية عن مقتل كثير من الأشخاص في أثناء محاولات إجلاء آخرين عالقين في أماكن بعيدة عن أسرهم منذ اندلاع الاشتباكات، أو في أثناء محاولاتهم مغادرة العاصمة الخرطوم.
وأبدى عدد كبير من سكان ولاية الجزيرة المجاورة للخرطوم استعدادهم لاستقبال الأسر والأشخاص الفارين من الانفجارات في العاصمة التي يبلغ عدد سكانها 8.6 مليون نسمة وفقاً لتقديرات حكومية في 2021، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن عددهم يصل إلى 12 مليون شخص.
وتضررت عشرات المباني السكنية في مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة من القصف العشوائي بقذائف المدفعية والرصاص الطائش، فيما يتحدث مواطنون عن عدم قدرتهم على إسعاف المصابين إلى المستشفيات، أو دفن القتلى الذين قُتلوا جراء الاشتباكات، ودائماً ما يعززون حديثهم بصور وفيديوهات تُظهر تعرض بعضهم للقصف في أثناء محاولات الوصول إلى المستشفيات.
لكن لا يظهر أن الآلية التي تضم في عضويتها الهلال الأحمر، ومنظمات المجتمع المدني، ستنجح في تنفيذ مهامها لعدة اعتبارات تتمثل في عدم وجود ممرات آمنة، ووقوع الاشتباكات في الأحياء دون سابق إنذار، وانتشار عمليات النهب، وعدم تشجع المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات الإنسانية في ظل هذه الأوضاع، ومنها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي علق أنشطته مؤقتاً في السودان.