مجلة البعث الأسبوعية

الغذاء في الوطن العربي.. الغرب يلحق الضرر بدول الشرق الأوسط

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

نتيجة للأعمال العدائية التي تمارسها الدول الغربية على العديد من الدول العربية، يواجه الوطن العربي عوائق كبيرة في جهوده للقضاء على الجوع، وكافة أشكال سوء التغذية، فضلاً عن ضمان حصول الجميع على طعام صحي كافٍ ورخيص.

ويرجع ذلك إلى العديد من التحديات والأحداث الراهنة التي تعتبر خارجة عن السيطرة المباشرة للدول العربية في الوقت الحالي، فقد انبثقت العديد من هذه العوائق نتيجة للماضي الاستعماري لبريطانيا وفرنسا وإسبانيا لدول عربية. ومع ذلك، كان لعواقب هذه الصعوبات والمتغيرات تأثير كبير على السكان، ما دفع الحكومات الوطنية إلى توفير الأمن الغذائي الأساسي من خلال تقديمها لأشكال مختلفة من المساعدات. ومع ذلك، نظراً للمناخ المعقد للاضطرابات التي تخلقها بانتظام الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، فإن هذا النوع من النهج يصبح أداة سياسية صعبة، ويتفاقم الوضع بسبب الحيز المالي المحدود.

في الحقيقة، يرى مراقبون أنه لا توجد مؤشرات فورية على إمكانية تحسن الوضع الحالي بشكل كبير، فقد تسببت الأزمات الأخيرة  كانتشار فيروس كوفيد -19، فضلاً عن العواقب الضارة الناتجة عن استمرار تغير المناخ، والصراع الأوكراني الذي أطلقته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ضد روسيا، في الضغط على الاقتصادات الزراعية وارتباك سلاسل الإمداد الغذائي في كافة أنحاء العالم، لا سيما في المنطقة العربية.

مؤخراً نشرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، تقريراً بعنوان “الشرق الأدنى وشمال أفريقيا- نظرة إقليمية عامة للأمن الغذائي والتغذية لعام 2023″، وقد تناول التقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في المنطقة العربية، وبحسب التقرير، استحوذت الدول العربية على 7.6٪ من إجمالي الواردات الزراعية العالمية في عام 2020. وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكبر مستوردي الحبوب في العالم، حيث يتم تلبية أكثر من 50٪ من احتياجاتها عن طريق الواردات الغذائية.

ويسلط التقرير الضوء على الأزمة الكبيرة التي تواجه المنطقة نتيجة لهذا الوضع، حيث بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي 54.3 مليون عام 2021، أي 12.2٪ من إجمالي السكان، أي بزيادة قدرها 55٪ منذ عام 2010، أي قبل أن تعاني المنطقة من اضطرابات كبيرة سببتها موجة الصراعات و”الثورات” التي حرضت عليها الولايات المتحدة. وقدر عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في عام 2021 بنحو 53.9 مليون شخص، بزيادة قدرها 5 ملايين عن العام السابق. كما زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، ليصل إلى 154.3 مليون في عام 2021، بزيادة قدرها 11.6 مليون عن عام 2020.

جدير بالملاحظة، أن الزيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي منذ عام 2014، كانت زيادة مطردة، و لا يزال أكثر من نصف السكان يفتقرون إلى الموارد اللازمة للحفاظ على نظام غذائي صحي.

وبحسب التقرير، فإنه نظراً للعقبات العديدة، بما في ذلك تغير المناخ، والنزاعات، والكوارث الطبيعية، والقضايا الهيكلية مثل الفقر، فمن غير المتوقع أن تتمكن المناطق العربية من تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030.

ومع ذلك، فعلى الرغم من هذه الإحصائيات المقلقة، لا تزال هناك فرصة لتحسين الوضع بمساعدة الدول الصديقة مثل روسيا والصين، من خلال إعادة هيكلة النظم الغذائية والزراعية في المنطقة لجعلها أكثر سهولة واستدامة ومرونة، كما لا يزال من الممكن التغلب على هذه الأزمات والتحديات.فقد  بدأت بعض الدول في المنطقة في العمل على تكييف أنظمتها الغذائية والزراعية من أجل استيعاب هذا التحول، وذلك من خلال استخدام استراتيجيات متنوعة للزراعة المستدامة والتنمية الريفية.

ووفقاً للخبراء، يعد توسيع ونشر المعرفة والتكنولوجيا ذات الصلة، فضلاً عن الحوافز وآليات التمويل، خطوة أولى نحو هذا التغيير. علاوة على ذلك، سيساعد تحسين اندماج البلد والمبادلات التجارية الإقليمية، في خفض تكلفة الواردات الغذائية مع تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المحلية في البلدان العربية.  كما تتطلب جميع هذه القطاعات استثمارات إستراتيجية، فضلاً عن إرادة قوية واعتماد سياسات واضحة ومثبتة تلبي مطالب الشعوب.

ومع ذلك، يجب ألا تتغاضى الجهود المبذولة لتقليل تكلفة الواردات الغذائية دور التجارة في تحقيق الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي: التوافر، والوصول، والاستخدام، والاستقرار. يمكن أن تحسن التجارة الأغذية المتاحة وتنوعها مع خفض أسعار المواد الغذائية في البلدان المستوردة للأغذية، ومع ذلك، لابد من وضع إطار دقيق ومصمم بشكل جيد لاختيار المصدرين الذين لا يهتمون بالعقود القصيرة ولكن في توفير الغذاء على أساس طويل الأجل بتكاليف مقبولة.

في الوقت نفسه، تقدم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كثير من الأحيان إعانات كبيرة ومكلفة لشبكات الأمان الاجتماعي الخاصة بها من أجل تزويد سكانها بدعم اجتماعي كبير. في الفترة التي تلت ما يُسمى بـ” الربيع العربي”، اتخذت سياسات هذه البرامج نشاطاً أكثر قليلاً في عدد قليل من الدول حيث سعت الحكومات إلى زيادة الإنفاق في الميزانية لتهدئة الاضطرابات العامة. ومع ذلك، نظراً لارتفاع تكاليفها، تقوم عدد من الدول حالياً بالتخفيض التدريجي لهذه البرامج.

تستفيد بلدان المنطقة من المساعدة الاجتماعية الحكومية الكبيرة التي تعمل على إبطاء انتشار الفقر. ومع ذلك، يعيش أكثر من 60٪ من سكان اليمن، أفقر دولة في المنطقة، تحت خط الفقر.

تعد أرباح الصادرات النفطية، التي ترتفع أسعارها بدرجة تكفي للمساهمة في زيادة الإيرادات للدول المصدرة وقدرتها على توزيع المبالغ المطلوبة لتسوية الوضع الغذائي، من نقاط القوة في المنطقة.

كما تساهم روسيا، التي تتمتع بعلاقات ودية مع العديد من الدول في آسيا وأفريقيا، بما في ذلك تلك الموجودة في الوطن العربي، بشكل كبير في إيجاد حلول لنقص الامدادات الغذائية في المنطقة.

وبحسب مواد الجلسة العامة للخدمة الفيدرالية لمراقبة الصحة البيطرية والنباتية، فقد صدّرت روسيا 45.5 مليون طن من الحبوب والبقوليات في عام 2022. وفي المجموع، تلقت 126 دولة في جميع أنحاء العالم مواداً غذائية من روسيا في عام 2022، بما في ذلك الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومنتجاتها المصنعة. استوردت 19 دولة من الشرق الأوسط أكثر من غيرها، بإجمالي 20.6 مليون طن، بزيادة قدرها 1.9 مليون طن عن عام 2021. وتمثل 24 دولة آسيوية 16.4 مليون طن من الواردات الغذائية من روسيا، بزيادة قدرها 2.1 مليون طن، وتحتل المرتبة الثانية. في غضون ذلك، نمت الواردات من روسيا 1.7 مليون طن (+ 21٪) إلى 10.1 مليون طن في سبع دول في شمال إفريقيا العام الماضي.

من الواضح أن الإستراتيجية التي تتبعها روسيا تختلف اختلافاً كبيراً عن استراتيجية الغرب، الذي استخدم موقع أوكرانيا الاحتكاري لتصدير جميع سلعها الزراعية إلى دولها فقط. وبذلك، ألحق الغرب الضرر ببلدان الشرق الأوسط، التي كانت تستورد حصة كبيرة من موادها الغذائية من أوكرنيا. يوفر هذا الاختلاف الصارخ عن الاستراتيجية الروسية فرصة ثانية لإنشاء عالم متعدد الأقطاب يخدم مصالح جميع الدول، بما في ذلك حكومات الشرق العربي. ولهذا تطالب روسيا بتنفيذ متطلبات صفقة الحبوب الموقعة مع الأمم المتحدة بشكل واضح، بحيث لا يمكن تصدير الحبوب من أوكرانيا فحسب، بل أيضاً المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية  بحرية في الأسواق الدولية، ولا سيما البلدان الأكثر فقراً.