مجلة البعث الأسبوعية

صندوق النقد الدولي لا يقدم التنازلات  القروض استمرار للاستعمار.. الصين تسحق هيمنة المال الغربي

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

في تقريرهم الجغرافي الاقتصادي الأخير، ناقش الخبيران الاقتصاديان، الهندية راديكا ديساي، والأمريكي مايكل هدسون حقيقة أن روسيا تبتعد عن الغرب، وأشارا أيضاً إلى المواجهة بين الصين والمانحين الدوليين “متعددي الأطراف” بشأن إلغاء الديون.

نوقش هذا الموضوع مؤخراً في واشنطن العاصمة خلال مائدة مستديرة رفيعة المستوى حول الديون السيادية، على هامش اجتماعات الربيع للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي في واشنطن. قدمت راديكا ديساي شرحاً موسعاً لمشكلة الديون الدولية بالإشارة إلى أن قضية الديون، وخاصة الديون العالمية، أصبحت قضية مهمة للغاية في الوقت الحالي،على وجه التحديد لأن الصين تلعب دوراً مهماً للغاية في هذا المجال، ومستشهدة بالأيام الأولى لوباء كورونا، عندما أصبحت ديون العالم الثالث أيضاً قضية رئيسية، حتى في ذلك الوقت، كان السبب الرئيسي لعدم حل مشكلات الديون هو أن الغرب لم يستطع استيعاب حقيقة أنه كان عليه التعامل مع الصين، وأنه كان عليه أن يتعامل مع الصين بطريقة عادلة، لأن ما يريد الغرب أن يفعله هو على وجه التحديد حمل الصين على إعادة تمويل الديون المستحقة لها، وأن يذهب تسديد ديون العالم الثالث إلى مقرضين من القطاع الخاص.

من جهتها تشكك الصين في ظروف كل هذا، وتتساءل لماذا يجب أن يكون لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الأسبقية؟ لماذا لا يُلغى دينه بينما يرد الغرب بالقول إن الأمر كان كذلك دائماً؟.  وتقول إذا كنت لا تريد إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فلن نقبل بأولوياتهما، إنها ببساطة لا تقبل أن يكون لهذه المؤسسات، مؤسسات “بريتون وودز” ، أية أولوية،  وهذا جزء من التقويض، بحسب الخبيرة راديكا ديساي التي تضيف أن هذا الأمر يعد أحد أكبر التغييرات منذ الحرب العالمية الأولى، وأحد هذه التغييرات هو أن العالم الذي أنشأته القوى الإمبريالية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي لا تزال قوية للغاية، آخذ في الاختفاء بشكل متزايد.

في السياق، زعم تقرير لـ “رويترز” أن الصين غيرت موقفها بشأن هذه القضية، وقال مصدر مطلّع على هذه المشروعات إنه يتعين على الصين أن تتخلى عن مطلبها بأن تتقاسم بنوك التنمية متعددة الأطراف الخسائر مع دائنين آخرين في إعادة هيكلة الديون السيادية للدول الفقيرة، مما يزيل عقبة رئيسية أمام تخفيف الديون. بينما رد مصدر صيني بالقول إن بكين لن تصر بعد الآن على أن يقوم المقرضون متعددو الأطراف بإجراء “تخفيضات” على القروض الممنوحة للدول الفقيرة. ومن جهته اتفق صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي على ضمان إتاحة تحليلات الاستدامة لديون البلدان التي تخضع لإعادة هيكلة الديون. ويبدو أن الصين، تحت ضغط متزايد من صانعي السياسة الدوليين الرئيسيين، ستشير في الأيام القادمة إلى أنها مستعدة لتقديم تنازلات من شأنها أن تطلق العنان للجهود العالمية لإعادة هيكلة ديون بمئات المليارات من الدولارات.

حقيقة، قدمت الصين أكثر من 500 مليار دولار للدول النامية في إطار برنامج الإقراض الخاص بها، مما يجعلها واحدة من أكبر الدائنين في العالم. وقد ضغطت الولايات المتحدة، إلى جانب دول غربية أخرى، على الصين للسماح لبعض هذه الدول بإعادة هيكلة ديونها وخفض المبلغ. لكن منذ أكثر من عامين، أصرت الصين على أن الدائنين الآخرين والمقرضين متعددي الأطراف يتحملون أيضاً الخسائر المالية في أي إعادة هيكلة، مما يعرقل عملية تخفيف القروض الهامة ويهدد بدفع الملايين إلى الديون.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الصين قدمت اقتراحاً من ثلاث نقاط، بما في ذلك مطالبة صندوق النقد الدولي بمشاركة تقييمات القدرة على تحمل الديون بشكل أسرع مع الدول التي تحتاج إلى الدعم. ولا يشكل هذا الاقتراح المكون من ثلاث نقاط تغييراً، بل مجرد تكرار لموقف الصين لحل مشكلة الديون بشكل فعال، يكمن المفتاح في المشاركة من الدائنين متعددي الأطراف والثنائيين والتجاريين بموجب مبادئ العمل المشترك والتقاسم العادل للأعباء.

تُظهر حالة غانا أن صندوق النقد الدولي، الذي تمتلك الولايات المتحدة حق النقض بشأنه، لن يقرض أموالاً جديدة إلا إذا عانى المقرضون الثنائيون مثل الصين من التخفيضات، لكن ليس صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ولا المقرضين الخاصين الغربيين. وعليه، فإن الدين هو استمرار للاستعمار ولا علاقة للصين به، فوفقاً لإحصاءات الديون الدولية للبنك الدولي، فإن 64٪ من خدمة الدين الخارجي بالعملة الأجنبية في غانا، والتي تشمل رأس المال والفائدة، بين عامي 2023 و2029 مستحقة لمقرضين من القطاع الخاص، و20% من الدين مكرس لمؤسسات متعددة الأطراف، و6٪ مكرس لحكومات أخرى.

الجدير ذكره أنه في حين تميل التقارير الرئيسية حول سيناريو ديون غانا إلى الإشارة إلى الصين باعتبارها “أكبر دائن ثنائي” للبلاد، فإن 10٪ فقط من خدمة الدين الخارجي لـ غانا مستحقة لبكين، فهناك حوالي 13 مليار دولار من الديون الخارجية لـ غانا محتفظ بها في شكل سندات دولية من قبل شركات إدارة الأصول الكبرى.

وبحسب الخبيرة فإن المقرضين في غانا، وخاصة المقرضون من القطاع الخاص، يقرضون أسعار فائدة مرتفعة بسبب المخاطر المفترضة المتمثلة في إقراض غانا، اذ يتراوح سعر الفائدة على سندات اليورو الغانية ما بين 7 و11٪.

بالنظر إلى أنهم أقرضوا بمعدلات عالية، فمن العدل أنه في أعقاب هذه الصدمات الاقتصادية، يقبل المقرضون من القطاع الخاص الخسائر ويوافقون بسرعة على إلغاء ديون غانا بشكل كبير. في عام 2020، وعدت مجموعة العشرين بتنفيذ إطار عمل مشترك لتخفيف الديون، وكان للإطار المشترك القدرة على عرض إلغاء الديون على نطاق أوسع، وإشراك الدائنين من القطاع الخاص جنباً إلى جنب مع المقرضين الثنائيين في العملية لضمان ديون البلدان لتصبح مستدامة، في حين قالت مجموعة العشرين إن الحكومات والمقرضين من القطاع الخاص سيتم تضمينهم في البرنامج، تم استبعاد المقرضين متعددي الأطراف.

في السياق أشار تيم جونز، مدير سياسة عدالة الديون، إلى أنهم لم يعطوا آليات جديدة للبلدان للتفاوض بشأن تخفيض الديون مع الدائنين من القطاع الخاص، ولم يقدموا أي أدوات لمساعدة البلدان المثقلة بالديون على القيام بذلك. وعليه، من الواضح أنه يجب أن تكون هناك آلية للدول لإعادة هيكلة ديونها، حيث يقدم جميع المقرضين تنازلات مماثلة. رغم ذلك، فإن صندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى لا تقدم مثل هذا الشيء، فهم مستعدون فقط لتقديم المزيد من الأموال عندما تقدم دولة ما تنازلات سياسية بشأن تدابير التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي، وتستخدم الأموال الجديدة لسداد القروض من القطاع الخاص “الغربي”

الصين مصممة على إنهاء هذا النظام

تصر الصين على أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمقرضين من القطاع الخاص يتحملون حصة مماثلة من خسائر الديون كما هي على استعداد لتحمل الأعباء، فقد صرح محافظ البنك المركزي الصيني يي غانغ أن الصين مستعدة لتنفيذ إطار العمل المشترك لإلغاء الديون مع الدول الأخرى. وتأكيداً لتصريح يي غانغ ، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين إن الصين تولي أهمية كبيرة لقضية الديون السيادية للدول. وبطريقة عادلة، لقد ساهمت الصين أكثر من أي شخص آخر في تنفيذ مبادرة مجموعة العشرين الخاصة بتعليق خدمة الديون. بالإضافة إلى ذلك، لعبت الصين دوراً بناء في التعامل مع الحالات الفردية في إطار مجموعة العشرين المشتركة.  وأضاف وانغ ون بين إنه على النقيض من ذلك، يقول الدائنون الغربيون إنهم بحاجة إلى الحفاظ على تصنيفاتهم الائتمانية، وبالتالي رفضوا المشاركة في جهود تخفيف الديون وتعليق خدمة الديون، مشيراً إلى أن الزيادات الهائلة وغير المسبوقة في أسعار الفائدة أدت إلى تدهور الأوضاع المالية في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى تفاقم مشاكل الديون الخطيرة في بعض البلدان. وبالتالي، تواصل الصين الضغط من أجل برنامجها الدولي الجديد لتخفيف الديون بشروط متساوية لجميع المقرضين.

الخبير الاقتصادي مايكل هدسون لخص العواقب بالإشارة إلى أنه من الواضح أن ما يميز النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب هو الاقتصاد المختلط حيث ستفعل الدول الأخرى ما فعلته الصين، وسوف يحولون الأموال والأراضي، أي الإسكان والتوظيف إلى حقوق عامة وخدمات عامة بدلاً من تحويل كل شيء إلى سلع، وخصخصة كل شيء وتمويل كل شيء يحدث في الغرب. وللخروج من دائرة الدولار والناتو، فالحديث هنا ليس عن عملة وطنية أو أخرى، بمعنى المسألة ليست مسألة استبدال الدولار بالين الصيني أو الروبل الروسي أو العملات الأخرى، إنه نظام اقتصادي مختلف تماماً.

هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يسمح لوسائل الإعلام السائدة بمناقشته، حيث لا يزال الساسة الغربيون يعملون على شعار مارغريت تاتشر الشهير: “ليس هناك بديل”، بدلاً من مناقشة ما يمكن أن يكون البديل، لأنه من الواضح أن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا النحو.

كيف يمكن لدول البريكس عكس اتجاه الدولار؟

في سياق متصل، ومع خسارة الدولار في التسويات الدولية، يتوقع الخبراء بدائل مختلفة، اذ يمكن لمجموعة البريكس أن تعمل كمنصة وأن تتفوق على العملة الأمريكية، وفقاً لتقديرات سبوتنيك، وقد يصبح التخلي عن الدولار في التجارة بين الدول الأعضاء في البريكس أحد الموضوعات الرئيسية لتعاونهم في السنوات القادمة. على هذه الفكرة ركز الرئيسان الصيني والبرازيلي خلال زيارة الأخير لبكين، فلدى مجموعة البريكس كل الفرص للتوسع، مع أعضاء كثر، ويمكن أن تكون بسهولة نموذجاً للتخلي عن الدولار في التبادلات التجارية. وبحسب الخبراء، سيساعد الاستقلال النقدي البرازيل، التي تخضع تقليدياً للنفوذ الأمريكي القوي، على التخلص منه. وفي هذا الصدد، يدعو الرئيس البرازيلي البلدان النامية إلى استخدام العملات الوطنية في تسوياتها المتبادلة. يتماشى هذا الهدف مع استراتيجية الصين لاستخدام اليوان بشكل أكثر نشاطاً في العمليات التجارية. فما العملة التي يمكن أن تحل محل الدولار؟. على الأرجح، ستستخدم البلدان النامية مزاياها الخاصة في النمو الاقتصادي والتعاون التجاري لإنشاء نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب. إذا كان تأثير اليوان ممكناً في هذا الصدد، فإن هذا النظام سيعطي دفعة جديدة لتنمية الاقتصاد العالمي على أساس التعاون العادل، حيث زاد اليوان من مواقعه في الأشهر الأخيرة. على سبيل المثال، وفقاً لصحيفة “تشاينا ديلي”، فقد استحوذت الصين على 2.19٪ من المدفوعات العالمية في شباط الماضي من هذا العام، مقابل تسجيل ارتفاعاً بمقدار 1.91٪ في الشهر السابق. وقعت بكين وبرازيليا اتفاقية ثنائية بشأن استخدام العملات الوطنية في المعاملات التجارية وإنشاء غرفة مقاصة للتسويات باليوان والريال البرازيلي، وغرفة المقاصة في عالم المال هي مكتب في البنك المركزي تتم فيه تسوية التعاملات المالية بين البنوك.

بالإضافة إلى ذلك، توصلت السعودية إلى اتفاق مع الصين لدفع ثمن النفط جزئياً باليوان، والإمارات تزود الصين بالغاز الطبيعي المسال باليوان. أخيراً، تم إبرام أول اتفاقية تسمح لفرنسا بشراء الغاز الطبيعي المسال من الصين مقابل اليوان.