علاقة الأستاذ والطالب تتأرجح.. والانفتاح والتواصل الاجتماعي والمتغيرات المتسارعة في قفص الاتهام!
“البعث الأسبوعية” – وفاء سلمان
لم تعد العلاقة بين الأستاذ وطلابه كما كانت سابقاً، سواء في المدرسة أو الجامعة، وفيما يؤكد العديد من الطلبة أن علاقتهم مع أساتذتهم تقوم على الاحترام المتبادل، مشيرين إلى أن هناك أساتذة يعاملونهم كالآبناء ويحفزون لديهمه الرغبة في التفوق، يتهم طلبة آخرون بعض الأساتذة بعدم الوفاء للقيم التربوية والتعليمية، ووضع حواجز بينهم وبين الطلبة، ومحاولة عرقلة مسيرتهم التعليمية، بوسائل مختلفة!
ولا شك أن تطور الحياة أثر بشكل كبير على هذه العلاقة، فقد تحطمت صورة الأب التاريخية، فكيف بصورة الأستاذ؟! وللأسف، لم يعد الأب ذاك الشخص القوي والملهم، بل وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية، ما أدى لنتائج وخيمة نلمسها اليوم في حياتنا اليومية في الأسرة والمدرسة والجامعة!
ويشير بعض الطلبة إلى قيام بعض الأساتذة بتسريب الأسئلة مقابل منافع شخصية، وإلى حالات ظلم عندما يضع الأساتذة درجة الامتحان بشكل مزاجي، ما يفقد المنافسة الشريفة بين الطلبة، ويؤثر بشكل واضح على علاقة الأستاذ بالطالب، ويجعلها موضع شك، مطالبين إدارات الجامعات بوضع حد لكل أستاذ لا يبالي بالأنظمة والقوانين الجامعية.
وشكا بعض الطلبة من “أوامر” بعض الأساتذة الذين يجبرونهم على شراء “النوتة” من المكتبات الخارجية، والتي تحوي غالبا مؤشرات للحصول على النجاح من خلال الأسئلة الموجودة، أو البحوث التي يتم التركيز عليها، ومن لا يشتريها يعاقب بالرسوب أو بدرجة نجاح متدنية..
حدود!
ضحى عبود، رئيس قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة دمشق، بينت أن العلاقة بين الأستاذ والطالب يجب أن تبنى على الوضوح والحدود العلمية والإنسانية. ومن المهم جداً أن يكون لدى الطرفين ثقافة التعامل مع الآخر والفصل بين حالة وأخرى (طالب مرحلة جامعية أولى، أو ماجستير، أو دكتوراه)، وكذلك الأخذ بطبيعة الظروف المحيطة، موضحة أن التعامل الإنساني يقتضي علاقة راقية وواضحة كي تكتمل وتتناغم وتؤدي إلى نتائج ايجابية. وبرأيها فإن الأستاذ هو من يفرض الاحترام، ومن المفترض أن يعمل على وضع حدود القرب أو البعد، بالإضافة لمهارات التواصل التي يجب أن يمتلكها لإيصال فكرته ورسالته الأساسية، فمسؤولية نجاح العلاقة تقع عليه بشكل خاص لأنه الشخص الأكثر نضجاً، ومن ثم تأتي مسؤولية الطالب في فهم الرسائل وكيفية التواصل والحدود التي تم رسمها من قبل الدكتور في الجامعة أو الأستاذ في المدرسة سابقاً.
المقارنة إجحاف!
وترى الدكتورة ناهد سعود – قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة دمشق – أن الانفتاح والتواصل الاجتماعي والمتغيرات المتسارعة طالت الأسرة والقيم، ولم يعد هناك استقرار في منظومة معايير، الأمر الذي أثّرَ بشكل كبير على طبيعة العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية فيما بين الفرد وأسرته، لذا من الطبيعي أن تتأثر وتتغير العلاقة بين الأستاذ الجامعي وطلابه. مضيفة أن من المجحف أن نقارن بين الماضي والحاضر بخصوص العلاقة بين الطرفين، فسابقاً كان هناك رهبة وخوف، أما اليوم يجب أن يكون هناك احترام متبادل وحوار دائم وديمقراطية وذلك لمصلحة الطرفين.
وأكدت الدكتورة سعود أن العلاقة بين الطالب والأستاذ في ظل متغيرات العصر لا يمكن تحديدها بدقة إن لم يتم تقييمها بشكل عملي وعلمي عن طريق الاستبيانات والبحوث، لأن العلاقات الاجتماعية تتغير بشكل مستمر ومؤثر، والأستاذ والطالب هما جناحا العملية التعليمية، ووجود علاقة علمية واجتماعية صحيحة بينهما هو في مصلحة المنتج العلمي.
المسؤولية مشتركة
الطالبة نهى ذكرت أن المسؤولية مشتركة بين الأستاذ والطالب، مشيرة إلى وجود اختلاف بين طالب وآخر، حسب تفكير كل منهما وطريقة تعامله. وبرأيها، يجب الاتفاق على نقاط جوهرية ووضع خطوط عريضة لضمان عدم تجاوز الطالب لحدوده التي تقلل من احترام أستاذه؛ وذلك من أجل خلق جذور متينة من الاحترام، مشيرة إلى وجود عدد كبير من الأساتذة الذين يفرضون احترامهم بما يملكونه من أخلاق عالية ومعلومات وخبرات علمية تجعل الطلبة حريصين على كسب ود أساتذتهم الذين يمنحونهم الثقة والأمان.
آراء متباينة
وقال الطالب عروة: عندما يعمل الأستاذ على وضع حدود منذ البداية ويقوم بفرض شخصيته على الطالب فإن هذا يؤدي لالتزام الطالب وعدم تجاوزه تلك الحدود، وخاصة في وقتنا الحالي الذي يوجه فيه الاتهام للشباب بأنهم لا مبالين وغير مهتمين بالقيم والمبادئ.
وأشار إلى وجود بعض المدرسين الذين يتعاملون بطريقة فوقية ومستفزة وغير مريحة حتى أثناء شرح المحاضرات ولكن – والكلام للطالب عروة – هذه فئة قليلة، لذا لا يجب تقييم الجميع بنفس الطريقة لأنه بالمقابل هناك من يعطي بطريقة تجعلك تتمنى ألا ينتهي الوقت حتى أن بعضهم يعمل على الوقوف بجانب طلبته بأي مشكلة يتعرضون لها ويقدم النصائح ليتجاوزوا مشكلتهم وكأنه صديق وأخ.
حديث العهد!
عدد من الطلبة انتقد الدكاترة “الجدد”، حديثي التخرج، الذين ينظرون للطلبة نظرة تكبّر، وكأنهم نسوا أنهم كانوا منذ فترة قليلة زملاء لهم على مقاعد الدراسة، وهؤلاء الأساتذة المتكبرون يظنون أنهم يمتلكون كامل أدوات المعرفة، علماً أن أغلبهم يعاني في توصيل المعلومات بالطرق المطلوبة التي يفهمها الطلبة.
بالمحصلة.. ما يجمع بين الأستاذ والطالب أكثر مما يفرقهما، وعلى إدارات الجامعات أن واتحاد الطلبة العمل على تنقية الشوائب الموجودة من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين الجامعية للوصول إلى نتائج ايجابية تحقق الهدف المطلوب من التعليم.
محصلة
علينا أن نعترف قبل كل شيء أن العلاقة الجيدة بين الأستاذ والطالب ضرورة تعليمية تنتمي إلى المستقبل، وهي تتجاوز حدود العلاقة الشخصية بكثير، وعليه فإن على إدارات الجامعات واتحاد الطلبة العمل على تنقية الشوائب القائمة من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين الجامعية للوصول إلى نتائج إيجابية تحقق الهدف المطلوب من التعليم، وتعطي الأساتذة الجامعيين المكانة المرموقة التي تليق بهم وبشهاداتهم، وبالتالي تأمين بيئة علمية أكاديمية أنموذجية تكرس مشاعر الاحترام والثقة بالنفس لدى الطلبة وتمكن من إيصالهم إلى جو ومناخ يساعدهم على الارتقاء بدراستهم، وزيادة تحصيلهم العلمي، والتقليل من فرص الأخطاء والثغرات التي لطالما “يصدح” بها الطلاب في وجه إداراتهم الجامعية، في وقت يحمل الحديث مع المدرسين الكثير من المنغصات والهموم وأوجه المعاناة مما “لا يجهله السامع”.