أحلام الناتو الواهية
ريا خوري
باتت خطط الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو ) مكشوفة لجهة التوسع شرقاً باتجاه حدود وتخوم روسيا، فقد أعلن أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ خلال زيارته السرية التي قام بها قبل أيام إلى العاصمة الأوكرانية كييف واجتماعه إلى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، أنّ أولوية الحلف تتمثل بضمان تغلب أوكرانيا في الحرب على روسيا، وتزويدها بما تحتاج إليه لتحقيق ذلك، أو بعبارة أكثر وضوحاً هزيمة روسيا.
هذا الكلام ليس جديداً، فقد تمّ التصريح به من العديد من قادة دول الناتو، وردّده أكثر من مسؤول أمريكي، ومن بينهم وزير الدفاع لويد أوستن الذي قال كلاماً مشابهاً تماماً بأن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين وجميع دول حلف شمال الأطلسي لن يسمحوا لـ بوتين بهزيمة أوكرانيا.
وهذا يعني أن المدد العسكري الغربي لأوكرانيا لن يتوقف، وأن الحرب الروسية- الأوكرانية ستأخذ مداها إلى أقصى حدّ، بانتظار أن يحقق الناتو هدفه، ما دامت أوكرانيا موافقة على استخدامها مطيّة لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، لكن هل يستطيع الغرب بأجمعه من خلال أوكرانيا هزيمة روسيا عملياً؟.
من الواضح أن تفكير قادة الولايات المتحدة، وقادة الغرب الأوروبي دخل في مرحلة جديدة من المواجهة الإستراتيجية تعبّر عن جنوح فعلي عن مواجهة مفتوحة مع روسيا، وجمهورية الصين الشعبية معاً، لإدراكهم أنهم باتوا يفقدون الكثير من أوراق القوة التي تمكّنهم من الاحتفاظ بموقع القيادة الدولية، وهم يسعون إلى ذلك باستخدام ما تبقى لديهم من أوراق في أوكرانيا وشبه جزيرة تايوان.
وفي المقابل، لا يخفى على كل من روسيا والصين ما يعدّه الغرب الأمريكي- الأوروبي من خطط وبرامج لوضعهما في حالة الدفاع عن النفس، لذلك لجأتا إلى تعزيز تحالفهما الاستراتيجي في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية، والعسكرية .
من جهة ثانية، فقد حذّر عدد كبير من كبار الاستراتيجيين الغربيين من مغبة المخاطرة بشكل كبير بهدف تحقيق نصر نهائي على روسيا في النزاع الأوكراني على رأسهم الخبير والدبلوماسي الأمريكي السابق فيليب ليندرمان، لأن مثل هذا التفكير الرغائبي قد يقود إلى كارثة عالمية مدمرة لا تبقي ولا تذر، الأمر الذي أشار إليه نائب السيد ديمتري مدفيديف رئيس مجلس الأمن الروسي بأنّ العالم سيكون على شفا صراع عالمي في حال أرادت الولايات المتحدة هزيمة روسيا، وهو ما حذّر منه أيضاً أناتولي أنطونوف السفير الروسي لدى واشنطن بالقول إن جمهورية روسيا الاتحادية حذرت الولايات المتحدة باستمرار من أنّ مراهنتها على إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، تقود العالم بسرعة إلى سيناريو كارثي مدمّر وغير مسبوق.
الحديث الأمريكي المتواصل عن هزيمة روسيا فيه شيء من قصر النظر الإستراتيجي، لأنه لا يأخذ في الاعتبار أنها دولة نووية وتملك أسلحة متطورة جداً، ثم إنه لا يعتبر من دروس الماضي في حروب كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخوضها مع دول ليست نووية، وقدراتها العسكرية لا تقاس بتاتاً بقدرات روسيا العسكرية المتفوقة، ففي حرب فيتنام، على سبيل المثال التي انتهت عام ١٩٧٣، خرجت الولايات المتحدة بهزيمة مدوّية مع سبعة وخمسين ألف قتيل في مواجهة حرب عصابات الفيتكونغ، وليس مع دولة مثل روسيا التي تضم ترسانتها أحدث الأسلحة النوعية وأكثرها تطوراً. وكذلك كانت نتيجة حروب أخرى مثل أفغانستان التي استمرت أكثر من عشرين عاماً وانهزمت منها صاغرةً، ولم تكن نهاية الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ أفضل حالاً.
الحديث المتداول بين قادة الولايات المتحدة الأمريكية عن هزيمة روسيا لا يعدو كونه تهويلاً في سياق حرب مستعرة تبدو فيها الخسارة كبيرة وواضحة للأوكرانيين وجميع داعميهم في الغرب الأمريكي- الأوروبي، ولكنه في الوقت نفسه إنذار بأن العالم أمام أزمة متفاقمة بشكلٍ متسارع، ولا بد من وضع حدّ لها قبل أن يدفع العالم أجمع ثمناً باهظاً لتداعياتها واستطالاتها.