تحقيقاتصحيفة البعث

“الدستور العائلي” مهدد .. أسر سعيدة تنهار بسبب تدخل الأهل بحياة أبنائهم!

تغيرت طبيعة الحياة في مختلف المجالات، فعلى الصعيد الاجتماعي تجرأ الأبناء وخرجوا من جلباب آبائهم، فكسروا العديد من التقاليد البالية ليعيشوا حياتهم وفق الطراز الحديث، لكن ظلوا يعانون من تدخل الأهل بحياتهم حتى بعد زواجهم واستقرارهم في بيوت منفصلة، ومن يطلع على حالات الطلاق في المحاكم يجد نسبة لا بأس بها ناتجة عن تدخل الأهل في خصوصية الحياة الزوجية لأبنائهم بغير حق!.

تغير الأدوار! 

“على الأهل أن يدركوا أن أولادهم سيختلفون عما كانوا عليه قبل الزواج، حيث تغيّرت أدوارهم بشكل كلي وصاروا مسؤولين عن أسرة، وعندما يدرك الأهل تغير أدوار الأولاد يسهل بعدها حلّ أي مشكلة”، وفق ما ذكرت الدكتورة هناء برقاوي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة دمشق، مؤكدة أنه لا يحق للأهل التدخل بحياة أولادهم مطلقاً، ما لم يُطلب منهم ذلك، وعليهم أن يدركوا أن أبناءهم أصبحوا ناضجين وقادرين على تحمل مسؤولية إدارة حياتهم الزوجية بالطريقة التي يرونها مناسبة لهم.

حالة واحدة!  

لكن، وفق برقاوي، هناك حيّز وحيد يسمح للأم بالتدخل في حياة ابنها المتزوج حتى لو لم يطلب منها، عندما ترى أن وضعه العائلي وصل لمرحلة الانهيار، وذلك عبر التشاور مع والدة الزوجة لمعرفة كيف يمكن لهما التدخل لحلّ المشكلة التي تكاد تنهي الاستقرار الأسري للزوجين.

ظالماً أو مظلوماً! 

قد تنظر الزوجة نظرة استصغار وعدم احترام لزوجها حينما يفسح المجال لأهله بالتدخل في شؤون بيته.. هنا، ترى الدكتورة برقاوي أن تدخل الأهل يعطي الابن فكرة عن ضعفه وعجزه عن حلّ مشكلاته، وبالتالي يتكل عليهم دائماً، كما أن التدخل يمكن أن يؤدي إلى خروج الحياة الزوجية عن حالة الاستقرار لتصل إلى الانهيار ومن ثم الطلاق، وخاصة إذا كانت الأم مع ابنها ظالماً أو مظلوماً، بمعنى غير عادلة.

كما تفقد الأسرة الجديدة خصوصيتها إذا كان الابن ينقل للأهل كل صغيرة وكبيرة عن علاقته بزوجته، وهذا يؤدي لكشف علاقات الأسرة بشكل كامل، عدا عن المشكلات، وهذا ينطبق على أهل الزوجة أيضاً حينما تنقل لهم ابنتهم كل تفاصيل حياتها الزوجية، فبدلاً من الترابط تحصل القطيعة بين الأسر، وفق الدكتورة برقاوي.

تعقيد أم حلّ؟

من جانبها رأت الدكتورة منال الشيخ (إرشاد النفسي بكلية التربية – جامعة دمشق) أن تدخل أفراد عائلة الزوجين في مشكلاتهما يفتح الباب أمام تضخم المشكلات ويزيدها تعقيداً، موضحة أن هذا التدخل يعتبر كارثة في السنوات الأولى من الزواج، لأن كل أسرة تُملي شروطها بطريقة لا تناسب أحد الشريكين، وكثيراً ما تصل المشكلات إلى التعقيد، وتكون الأزمة الكبرى عندما تحمل كل عائلة الضغينة والكراهية تجاه العائلة الأخرى، باعتبار أن كل واحدة منهما تسعى لإنصاف ابنها أو ابنتها.

وكثيراً ما يكون الزوجان في حالة انسجام عاطفي، ومع أول تدخل من الأهل تتعقد العلاقة وتصبح على شفا الانهيار، ومن الطبيعي عندما تتدخل أسرة الشاب في أيّ مشكلة أن تساند الابن دون اكتراث بانعكاسات ذلك على الزوجة، وقد تشعر بالتآمر ضدها أو إجبارها على نمط حياة لا تقبله، وتضطر إلى التمرد، والعكس صحيح بالنسبة إلى أسرة الفتاة والكلام لازال للدكتورة الشيخ.

حائط الصد الأول

الاستقلالية و”الدستور العائلي” الذي يضعه الشريكان لحياتهما منذ البداية هما حائط الصد الأول لمنع أي تدخلات عائلية بينهما، إلا إذا وصلت العلاقة إلى طريق مسدود نتيجة الضرب عليه بغير حق، أما الخلافات الجوهرية – مثل التي تتعلق بالسلوكيات والماديات وغير ذلك – فلا يجب أن تكون مدعاة لتدخلات عائلية من أي نوع وفق ما أكدت الدكتورة الشيخ، مشيرة إلى أن اقتناع الأسر أن التدخل في حياة الزوجين يمنع المشكلات هو قمة الخطأ، لأن ذلك يقود الشريكين أو أحدهما إلى الاستقواء بعائلته، وتصبح العلاقة أقرب إلى ساحة حرب، كما أن إملاء الشروط على الزوجين يغذي الكراهية ويشعر كلاهما بأنه يعيش في سجن ويرى الطلاق وسيلة للتحرر.

وفي كثير من الأحيان – تقول الدكتورة الشيخ – قد تقحم العائلات نفسها في حياة الزوجين خلال السنوات الأولى من العلاقة بدعوى أن الشريكين لا يملكان خبرة سابقة في إدارة العلاقة الزوجية وحلّ الخلافات، وبالتالي هما في حاجة دائمة إلى الوصاية، رغم أن التربية القائمة على الاستقلالية هي الأنجح، وكفّ الأسر عن التحكم في قرارات الأبناء هو السبيل الأمثل لإدارة حياتهما بما يناسبهما.

عادات وأعراف

وتكمن مشكلة الآباء في أن تدخلاتهم تكون وفق قناعاتهم الشخصية، وقراراتهم نابعة من الحقبة الزمنية التي عاصروها والظروف الاجتماعية التي تكون أسيرة للعادات والتقاليد والأعراف دون إدراك لتغيّر الزمن والأجواء والسمات الذاتية للأبناء، فيصدرون أحكامهم بطريقة تعجيزية وبشكل قد يهدّد العلاقة، وعلى رأسها أن تكون الزوجة مجرد خادمة، لا شريكة وفق ما وصّفت الدكتورة الشيخ، لافتة إلى أن جفاء العلاقة بين الشريكين كثيراً ما يبدأ بتدخل الأهل في حياتهما الشخصية، والمعضلة أن الظروف المعيشية الصعبة التي يكابدها الزوجان في بداية حياتهما تدفع بعض الأسر إلى التدخل الفجّ من خلال فرض الرأي والتحكم بشكل الحياة الزوجية برمتها عندما يكون الشريكان أسيريْن للمساعدة المالية من قبل العائلة.

بالنهاية، يبقى الزوجان وحدهما الملامين والمسؤولين عن تدهور علاقتهما، لأنهما سمحا لطرف ثالث رسم مسار حياتهما ويُحدّد لهما المباح والممنوع، بغض النظر عن ظروفهما الشخصية وطبيعة العلاقة بينهما التي يفترض أن تكون شديدة الخصوصية، لذا لا ضير من تنظيم دورات وندوات توعوية للشباب المقبلين على الزواج حول كيفية التعامل مع أهلهم بغية الحفاظ على الروابط العائلية والبرّ بوالديهما، وبالتالي بناء أسرة سليمة لها كينونتها الخاصة واستقلاليتها.

ليندا تلي